كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)
قال: "فإن قلتَ: الفعلُ أبدًا خبرٌ لا مخبَرٌ عنه، فكيف صحَّ الإخبارُ عنه في هذا الكلام؟.
قلتُ: هو من جنس الكلامِ المهجورِ فيه جانبُ اللفظ إلى جانب المعنى، وقد وجدنا العرب يميلَونَ في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلًا بيِّنًا، من ذلك قولهم: "لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللَّبَنَ" معناه: لا يكنْ منكَ أكلُ السمكِ وشربُ اللَبن، وإن كان ظاهرُ اللفظ على ما لا يَصحُّ من عَطْفِ الاسم على الفعل، و"الهمزة وأَمْ" مجردتان بمعنى (¬١) الاستواء، وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسًا.
قال سيبويه: جرى هذا على حرف الاستفهام، كما جرى على حرف النِّداء في قولك: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا أَيَّتُها العِصَابَة"، يعني: أن هذا جرى على صُورة الاستفهام ولا استفهام، كما أن ذاك جرى على سورة النِّداء ولا نداء، ومعنى الاستواء: استواؤهما في علم المُستفهم عنهما؛ لأنه قد عَلِمَ أن أحد (ظ / ١٦٢ أ) الأمرين كائنٌ؛ إما الإنذارُ وإما عدمُهُ، ولكن لا بعينه، وكلاهما معلومٌ بعلم غير معيَّن.
قلت: هذا قولُه وقولُ طائفة من النحاة، وقد اعْتُرِض على ما ذكره بأنه يلزمُ القائل به أن يجيز: "سَوَاءٌ أَقُمْتَ أم قَعَدْتَ" دون أن تقول: "عَلَيَّ أو عَلَيْكَ"، وأنه يجيزُ: "سِيَّانِ أَذَهَبَ زَيْدٌ أمْ جَلَسَ" و"متفقان أقَامَ زَيْدٌ أم (ق/٢٢٣ أ)، قَعَدَ"، وما كان نَحْوَ هذا مما لا يجوزُ في الكلام ولا روي عن أحد؛ لأن التقدير الذي قدَّروه منطبقٌ على هذا.
وقالت طائفةٌ أخرى (¬٢): "سَوَاءٌ" هاهنا مبتدأ، والجملة الاستفهامية
---------------
(¬١) "الكشاف": "لمعنى".
(¬٢) انظر: "الحجة": (١/ ٢٠٠) لأبي علي الفارسي.