كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

بمعنى أنه مركوز في طبيعة الإنسان، لا يمكن أن يغيب عن ذهنه؛ للزوم إدراكه لإدراك طرفي القضية، كالحكم على الأربعة بأنها زوج؛ لأنك إذا تصورت معنى الأربعة والزوجية لزم عقلًا أن تدرك أنها عدد منقسم إلى متساويين، وتدرك أن كل عدد منقسم إلى متساويين فهو زوج.
وصورة القياس الطبيعي المذكور أن تقول: الأربعة عدد منقسم إلى متساويين، وكل عدد كان كذلك فهو زوج، ينتج من الشكل الأول: الأربعة زوج. وهذا القياس لا يغيب عن ذهنك، وهذه النتيجة هي ما يسمى بالبديهي الجلي الفطري، وقد قدمنا ما يزيد هذا إيضاحًا في الكلام على أنواع الدلالة في مبحث اللازم في الذهن والخارج معًا (¬١).
النوع الثالث من أنواع البديهي الجلي: التجريبي، وضابطه أنه كل قضية يحكم العقل فيها بثبوت المحمول للموضوع بواسطة تجريب ومشاهدات متكررة مفيدة للعلم بأن هذا الوقوع المتكرر على نمط واحد من غير تخلف لا بد له من سبب، وإن لم يكن عالمًا بحقيقة هذا السبب.
وهذا القسم واضح، ومن أمثلته قولك: الماء يُروي، والخبز يشبع، والنار محرقة، والسقمونيا مسهل للصفراء، والسكنجبيل مسكن لها، وهكذا؛ لأنها قضايا علمت بالتجريب، وتكرُّرُ المشاهدة لترتب المسبَّب فيها على السبب، فحصل الجزم بها بواسطة ذلك
---------------
(¬١) راجع ص ٢١.

الصفحة 194