كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

كقولك: ارتفاع الماء في الأنهار سبب ارتفاع ماء الآبار التي ليست بعيدة من الأنهار.
وجرت عادة أهل هذا الفن وأهل فن المنطق بأنهم يمثلون للحدسيات بأن نور القمر مكتسب من نور الشمس؛ قالوا: لأن القرائن تقوي هذا الحدس حتى يصير يقينيا؛ لأن نور القمر يشاهد كماله ونقصانه بحسب بعده من الشمس وقربه منها، ويجزمون بناء على هذا بأن نوره مكتسب من نورها.
ونحن دائمًا نتوقى هذا المثال ونحوه تأدبًا مع ظاهر القرآن في قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥] وقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: ١٦] (¬١).
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الحدسيات من الظنيات لا من اليقينيات.
وقال العلامة محمد بن الحسن البناني (¬٢) في شرحه لسلم الأخضري: والتحقيق أن الحدس عبارة عن الظفر عند الالتفات إلى المطالب بالحدود الوسطى دفعة، فلا حركة فيه، وإلا كان فكرًا؛
---------------
(¬١) وجه تأدب المؤلف -رحمه الله- مع ظاهر القرآن بتوقي المثال الذي يذكره الجدليون والمناطقة أنه قد يُفهم من عبارتهم نسبة التأثير إلى الشمس استقلالًا، وهذا قادح في توحيد الربوبية، وانظر ما يأتي ص ٢٥٨.
(¬٢) محمد بن الحسن بن مسعود البناني، أبو عبد الله، فقيه مالكي من أهل فاس، توفي سنة ١١٩٤ هـ. انظر الأعلام للزركلي (٦/ ٩١).

الصفحة 196