كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

فالانتقال في الحدس دفعي لا تدريجي، عكس الفكر. انتهى محل الغرض منه.
ومعنى كلامه أن الحدسيات لا يُحتاج فيها إلى العلم بدليلها ثم الانتقالِ من علم الدليل إلى علم المدلول الذي هو الحدسيات؛ لأنها من البديهيات لا من النظريات، بل يكفي في إدراكها التأمل في الطرف المتكرر الذي هو الحد الأوسط كما تقدم إيضاحه.
فالحد الأوسط في المثال المتقدم كون ارتفاع ماء الأنهار سببًا في ارتفاع ماء الآبار، لأنك تقول: ارتفاع ماء الأنهار سبب في ارتفاع ماء الآبار، وكل سبب في شيء يوجد معه مسبَّبه، ينتج من الشكل الأول: ارتفاع ماء الأنهار يوجد معه مسبَّبه، أي وهو ارتفاع ماء الآبار، وهو المطلوب، فإذا التفت إلى هذا المطلوب بالحد الوسط الذي هو كون هذا سببًا في هذا حصل لك المطلوب دفعة من غير تدريج، وهو معنى [كون] (¬١) الانتقال فيه دفعيًا لا تدريجيًا، والله -تعالى- أعلم.
وقال بعضهم: هو كل قضية يحكم العقل بثبوت محمولها لموضوعها بناءً على محسوسات أخرى لا يحتاج العقل في ترتب هذه عليها إلى نظر واستدلال. وهو راجع لما ذكرنا.
النوع الثاني: من نوعي البديهي الخفي هو البديهي المتواتر، وضابطه أنه كل قضية يحكم العقل فيها بثبوت المحمول للموضوع
---------------
(¬١) في المطبوع: (كان)، وما أثبتُّه هو المناسب للسياق.

الصفحة 197