كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

الجلي، واثنين من النوع الخفي، فاعلم أن النوع الآخر من نوعي التصديق هو التصديق النظري، وقد قدمنا أن النظري هو ما يُحتاج في إدراكه إلى تأمل.
وضابط التصديق النظري عند أهل هذا الفن هو: كل قضية لا يحكم العقل بثبوت محمولها لموضوعها إلا بعد النظر فيها والاستدلال عليها، كقولك: العالم حادث، وخالقه أزلي، بمعنى أنه لا أول لوجوده.
وقد عرفت مما مر أن التصديق ثلاثة أقسام: الأول تصديق بديهي جلي، والثاني تصديق بديهي خفي، والثالث تصديق نظري.
أما التصديق البديهي الجلي فليس محلًا للمناظرة، ولا يجوز لأحد اعتراضه بحال، والمناقشة فيه تسمى مكابرة، وهي غير مقبولة، وصاحبها لا يريد الحق، وإنما يريد الباطل، كأن يرفع من شأن نفسه، ويضع من شأن خصمه، فإذا قال لك أحد: الكل أكبر من الجزء، والواحد نصف الاثنين، أو الأربعة زوج، أو الشمس مضيئة، أو الماء يُروي، ونحو ذلك، فليس لك المناقشة في شيء من ذلك، بل يجب عليك تسليمه؛ لأنه بديهي جلي.
وأما البديهي الخفي فلا يحتاج إلى دليل؛ لأنه بديهي، وإنما يحتاج إلى تنبيه.
والتنبيه في الاصطلاح عندهم: مركب يُقصد به إزالة الخفاء لا الاستدلالُ، ومثاله في الحدس القياس الاقتراني الذي ذكرناه في أن

الصفحة 199