كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

واعلم أنا لا نطيل الكلام على التنبيه لقلة الفائدة فيه؛ لأن البديهي لا يحتاج في أصل ثبوته إلى دليل، وإنما يحتاج لتنبيه يزيل عنه الخفاء، ولا يتوجه إليه منع حقيقي صادق في نفس الأمر إلا إذا كان صاحبه جاء به على غير وجهه، كالمثال الذي ذكرنا، وإنما ذكرناه على غير وجهه لنوضح مثال ورود المنع عليه، والمثال لا يُعترض كما تقدم، وسنأتي إن شاء الله فيما يأتي بأمثلة للتنبيه والاستدلال صحيحة، يكون المنع الوارد عليها باطلًا، لنوضح وجه بطلانه.
وقد قال الجرجاني (¬١) في رسالته في البحث والمناظرة ما نصه: وأما التنبيه فيتوجه عليه ذلك، ولا يكثر نفعه [إذْ] (¬٢) لم يُقصد به إثبات الدعوى، فلا يُقدح في ثبوته المستغني عن الإثبات، بخلاف الاستدلال. انتهى منها. وهو واضح.
وبناء على ذلك سنقلل الكلام في التنبيه ونبسطه في الاستدلال.
وهذه الأمثلة التي ذكرنا كلُّها أمثلة لمنع مقدمة معينة من دليل المعلل على تصديقه، مع كون المنع المذكور مجردًا عن السند. ومن المعلوم أن المنع المذكور للمقدمة المعينة تارة يكون مجردًا عن السند، وتارة يكون مقرونًا بالسند، ولا ينبغي أن يكون المنع المذكور مقرونًا بالسند إلا بعد إقامة المعلل عليه الدليل؛ فإن منعه السائل
---------------
(¬١) علي بن محمد بن علي، الشريف الجرجاني، (٧٤٠ - ٨١٦ هـ)، له "الكبرى والصغرى في المنطق"، ترجمته في الضوه اللامع (٥/ ٣٢٨) والأعلام (٥/ ٧).
(¬٢) في المطبوع: (إذا)، وما أثبتّه هو المناسب للسياق.

الصفحة 206