كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

بالسند قبل استدلال المعلل فهو غصب، وقد قدمنا أن الغصب وظيفة غير مقبولة عند أهل هذا الفن، خلافًا لمن أجازه من أهل هذا الفن، كركن الدين أبي حامد محمد بن محمد العميدي السمرقندي الحنفي (¬١)، وهو أول من ميز هذا الفن عن غيره من العلوم، وجعله فنًا مستقلًا على الكيفية التي يتناقلها أهله (¬٢)، وهو يجيز الغصب المذكور، هو ومن تبعه، وأكثر أهل هذا الفن على أنه وظيفة غير مقبولة، وهو الصواب؛ لأن ارتكاب الغصب يصيّر السائل في منزلة المعلل، كعكسه، وهذا لا ينبغي في المناظرة.
وقد يقول صاحب السنَد إنه ليس من الغصب؛ لأنه ليس بدليل مركب تام. ويجاب بأنه دليل على المنع، وإن حُذف بعض مقدماته، فلو قلتَ مثلًا: لا يجوز أن يكون كذا، فكأنك قلت: العقل يجوّز خلاف الدعوى، وكل دعوى يجوّز العقل خلافها فليست بصحيحة إلا احتمالًا، واحتمال الصحة لا يستلزم الصحة، فمنعها بطلب الدليل عليها واضح.
أما إن أقام المعلل الدليل على إحدى مقدمتي دليله، أو عليهما، فمنَعهما منعًا مقرونًا بالسند الذي هو دليل المنع، فهو مقبول جائز.
وإذا عرفت أن منع مقدمة معينة من مقدمات الدليل قد يكون مجردًا عن السند كما مثلنا، وقد يكون مقرونًا بالسند جوازًا اتفاقًا مع
---------------
(¬١) كان إمامًا في الخلاف والجدل، توفي سنة ٦١٥ هـ، انظر الأعلام (٧/ ٢٧).
(¬٢) انظر وفيات الأعيان لابن خلكان (٤/ ٢٥٧).

الصفحة 207