كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

الإطلاق أخصُّ من الإمكان، فثبوت الإطلاق يلزمه ضرورةً ثبوتُ الإمكان، كما قال العلامة الشيخ المختار بن بونا الشنقيطي (¬١):
ونسبةٌ ممْكِنةٌ محقِّقَة ... ثبوتَ صدقٍ عند صدق المطلقة
وإيضاح هذا الكلام لمن لا يعرف مبحث الجهات في فن المنطق (¬٢): أن الموجهة بالإمكان هي ما لا يستحيل عقلًا ثبوت موضوعها لمحمولها وإن كان غير ثابت له بالفعل، ولا نطيل هنا الكلام بالفرق بين الإمكان العام والإمكان الخاص، والموجهة بالإطلاق في الاصطلاح هي القضية التي اتصف موضوعها بمحمولها بالفعل إيجابًا أو سلبًا، فقولك: (أبو لهب مؤمن) بالإمكان الخاص صادق؛ لأن اتصافه بالإيمان ليس بمستحيل عقلًا، ولو كان مستحيلًا عقلًا لما كُلّف به، بخلاف ما لو قلت: (أبو لهب مؤمن) بالإطلاق، أي بالفعل، فهو كذب بل كفر؛ لتكذيبه نص القرآن العظيم. وإذا علمت ذلك علمت أن ثبوت الإطلاق يستلزم ثبوت الإمكان بلا عكس.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن المناظرة بين أهل السنة والجماعة القائلين برؤية الله -جل وعلا- بالأبصار يوم القيامة وبين المعتزلة المانعين لذلك إنما هي في جهة الإمكان، فالمعتزلة يقولون إنها مستحيلة ولا تدخل في الإمكان أصلًا، وأهل السنة يقولون هي ممكنة؛ وطلب موسى لها في قوله {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ} دليل على
---------------
(¬١) سبقت ترجمته في المقدمة المنطقية ص ٥.
(¬٢) راجع تعريف القضايا الموجهة في المقدمة المنطقية ص ٩٥ الحاشية.

الصفحة 225