كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

مدلوله عنه في صورة شركة المضاربة المعروفة بالقراض، فقد أجمع جميع العلماء فيها على أن الرجل يجوز له أن يدفع للعامل مالًا يعمل فيه بالتجارة، على أن يكون للعامل نصفُ الربح أو ربعُه أو ثلثُه مثلًا، حسبما اتفقا عليه، مع بقاء رأس المال ملكًا لصاحبه، ولا شيء للعامل في مقابلة عمله إلا ما يحصل من الربح، مع أن الربح يجوز أن يحصل أو لا يحصل، وعلى تقدير حصوله يجوز أن يكون قليلًا أو كثيرًا، فقد أجمع العلماء على وجود ما استدل به المعلل على المنع، مع إجماعهم على تخلف الحكم الذي هو المنع عنه في هذه الصورة.
فهذا نقض شبيهي؛ لأن إبطال الدعوى فيه كان بشهادة فساد مخصوص وهو مخالفتها لإجماع العلماء، في صورة النقض، وإن أمكن صدقُها في غيرها.
واعلم أن الاعتراض بالنقض في قوة دليل مركب بحذف بعض مقدماته، وصورته أن يقول مثلًا: هذا الدليل تخلف عنه مدلوله، وكل دليل كان كذلك فهو فاسد، فهذا الدليل فاسد. أو يقول: هذا الدليل مستلزم للمحال، وكل دليل كان كذلك فهو فاسد، فهذا الدليل فاسد.
ومثال كونها منافية لمذهب المعلل قول. الشافعي ومالك وغيرهما: إن الزانية لا يحرم نكاحها، واستدلوا على ذلك بأن قوله تعالى {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)} [النور: ٣] الآية منسوخ بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] ومعلوم أن هذا الناسخ المزعوم الذي هو آية {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] أعمُّ من المنسوخ في محل النزاع، وهو آية {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣] لأن لفظ الأيامى صادق

الصفحة 240