كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

وسميت معارضة بالقلب لأنه قُلب عليه دليله بعينه حجةً عليه لا له، ومعلوم أن ذلك يلزمه اتحاد الدليلين: دليل المعلل، ودليل المعارض، شكلًا وضربًا، مع اتحادهما في الحد الوسط إن كانا اقترانيين، واتحادُهما وضعا ورفعا مع اتحادهما في الجزء المكرر إن كانا استثنائيين.
ومثل له بعضهم بأن يقول المعلل المعتزلي المانع رؤية الله -تعالى-: رؤية الله غير جائزة عقلًا، ثم يقيم الدليل على ذلك في زعمه فيقول لأنها منفية بقوله -تعالى-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]، وكل ما كان كذلك فليس بجائز عقلًا، ينتج في زعمه: هي ليست بجائزة عقلا.
فيقول السائل المعارض: رؤية الله جائزة عقلًا؛ لأنها منفية بقوله -تعالى-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]، وكل ما كان كذلك فهو جائز عقلًا، ينتج: فهي جائزة عقلًا.
فقد عارضه بنفس دليله، وأثبت به نقيض دعواه.
ولا يخفى أن لكل من السائل والمعلل ملاحظةً في الدليل غيرَ ملاحظة الآخر، فباختلاف ملاحظة السائل لملاحظة المعلل أمكنه أن يقلب عليه دليله، ويستحيل قلبُ دليله عليه لا له مع اتحاد ملاحظتهما؛ لأن الدليل الواحد لا ينتج النقيضين من جهة واحدة كما لا يخفى، لكنه قد ينتج نتيجتين متناقضتين باعتبارين مختلفين.
وإيضاحه في المثال المذكور أن المعتزلي لاحظ أن قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] مقتضٍ لنفي رؤية الأبصار له مطلقا، ولكن خصمه

الصفحة 249