كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

تنبيه: اعلم أن ما يصدقُ عليه اسمُ المؤثر عند أهل الحق وأهل الباطل محصور في ثلاثة أقسام:
الأول: المؤثر بالاختيار، وهذا هو المؤثر الحق، وهو خالق السموات والأرض -جل وعلا-؛ إذ لا يقع أي شيء كائنًا ما كان إلا بقدرته ومشيئته.
والثاني: المؤثر بالطبيعة عند الطبائعيين.
والثالث: المؤثر بالعلة.
وبرهان الحصر في الثلاثة أن المؤثر من حيث هو إما أن يصِح منه ترك التأثير وإما لا، فإن كان يصح منه ترك التأثير فهو المؤثر بالاختيار، ووجه ذلك واضح؛ لأنه لما صح منه التأثير وترك التأثير فقد اختار التأثير على تركه.
وإن كان لا يصح منه ترك التأثير فإما أن يتوقف تأثيره على وجود الشرط وانتفاء المانع وإما ألا يتوقف على شيء من ذلك، فإن توقف تأثيره على وجود الشرط وانتفاء المانع فهو الذي يسمونه المؤثر بالطبيعة، وهو عندهم كتأثير النار بالإحراق؛ فإنها لا يصح منها تركه، مع توقفه على وجود الشرط وهو إثارتها وإبرازها من كمونها الأصلي في الزناد مثلًا، وانتفاءِ المانع بأن يكون الملاقي لها قابلًا للتأثير بالاحتراق، لا إن كان من شأنه إبطالها وإطفاؤها كالماء.
وإن كان لا يتوقف تأثيره على وجود شرط ولا انتفاء مانع فهو الذي يسمونه المؤثر بالعلة، وهو عندهم كتأثير حركة الإصبع في حركة الخاتم.
والفلاسفة يزعمون أن تأثير الخالق في خلقه بالعلة، والمعلولُ لا

الصفحة 257