كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

الخصم الضال، بما فيه بالقوة الطرقُ المعروفة في المناظرة.
فالنمرود مثلًا ادعى الربوبية لنفسه، وأقام على ذلك دليلًا في زعمه، فقتل رجلًا وترك آخر وقال: أنا أحي وأميت؛ أي وكل من يحيى ويميت فهو الرب، ينتج له على زعمه الفاسد: أنا الرب.
فأبطل إبراهيم هذه الدعوى الباطلةَ التي هي كفرٌ بواحٌ بدليلٍ مقتضاه: أنت عاجز عن الإتيان بالشمس من المغرب، وكل عاجز عن ذلك فليس برب، ينتج: أنت لست برب.
فعارض دليله بدليل صحيح أنتج نقيض دعواه، فصح بطلانها بإثبات نقيضها كما تقدم إيضاحُه (¬١)، وأن قومه زعموا ربوبية الشمس والقمر والكواكب، واستدلوا على ذلك بأدلتهم الفاسدة، فأقام إبراهيم الدليلَ المنتجَ نقيضَ دعواهم، وحاصله: هذه آفلة، ولا شيء من الآفل برب، ينتج: هذه ليس واحد منها برب. وهو نقيض دعواهم، وبإثبات نقيضها يتحقق بُطلانها.
ولا شك أن حجة إبراهيمَ هذه مركبةٌ من مقدمتين: الأولى أفولها، في قوله في كل واحد منها: {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: ٧٦] والثاني عدم ربوبية الآفل في قوله: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)} [الأنعام: ٧٦].
واستنتاج هذه الدعوى المبطِلةِ دعوى الخصم سمّاه الله حجة، وأضافها إلى نفسه، وذكر امتنانه على إبراهيمَ بذلك في قوله بعد ذكر
---------------
(¬١) ص ٢٧٧.

الصفحة 285