كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

المناظرة المذكورة: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَينَاهَا إِبْرَاهِيمَ} [الأنعام: ٨٣]، والتحقيق أن المناظرة المذكورة داخلة في الحجة المذكورة، خلافًا لمن زعم أن الحجة مختصة بقوله: {وَكَيفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيكُمْ سُلْطَانًا} [الأنعام: ٨١] الآية، بل التحقيق أنها شاملة لاستنتاج بطلان دعواهم الكفرية من مقدمات صحيحةٍ تُنتج نتيجةً حقًّا، وهي أنه لا رب إلا اللهُ وحدَه.
وهذه الحجة التي هي استنتاج النتائج الصحيحةِ من المقدمات الصحيحة المقتضيةِ بطلانَ الحجج الكفريةِ نوّه الله بها، وأضافها لنفسه بصيغة التعظيم في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} [الأنعام: ٨٣]، وذكر امتنانه بها على إبراهيم، وأشار إلى أن من آتاه الله ذلك النوعَ من الحجة أنه يكون فيه رفعُ درجتِه، وذلك في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَينَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: ٨٣] الآية، ويدخل في عموم الآية رفع درجة إبراهيم بما آتاه ربه من الحجة القاطعة على قومه.
ولا شك أن اليهود لما قالوا: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ} [الأنعام: ٩١] أنهم يقصدون بذلك نفي إنزال الكتاب على نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فحذفوا الصغرى والنتيجة كما أوضحنا في كلام البناني، وكانت عمدةُ دليلهم الكبرى التي هي كليةٌ سالبة، التي هي قولهم: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ} [الأنعام: ٩١].
وأن قوله -تعالى-: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: ٩١] ينتج نقيض دعواهم، لأن موسى بشر، وقد أُنزل عليه كتاب هو التوراة، فيلزم من ذلك أن بعض البشر وهو موسى أُنزل عليه كتاب هو التوراة، فهذه جزئية موجبة هي نقيض السالبة الكلية التي

الصفحة 286