كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

في الأصول، لأن تخصيص أحدهما بالآخر في فن الأصول مانعٌ من التناقض المستلزمِ بطلانَ أحدهما في المنطق والبحث والمناظرة.
وقد قدمنا أمثلة متعددة لذلك، منها أن قوله - تعالى -: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، في قوة كلية موجبة هي (كل مطلقة تتربص بنفسها ثلاثة قروء)، وقولَه - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الأحزاب: ٤٩] في قوة جزئية سالبة مناقضة للكلية الموجبة المذكورة، وهي اليس بعض المطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء) وهن المطلقات قبل الدخول؛ لأنهن لا عدة عليهن، إلى آخر الأمثلة القرآنية التي قدمنا.
فهذه الموجبة الكلية لا تنقضها هذه السالبة الجزئية في الأصول، بل تكون مخصِّصةَ لعمومها، والتخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بدليل، كما هو مقرر في الأصول، ومعلوم أن الجزئية السالبة هي بعينها نقيض الموجبة الكلية، كما قال الأخضري في سلمه (¬١):
فإن تكن موجبة كلية ... نقيضُها سالبةٌ جزئية
أما في فن المنطق وفن البحث والمناظرة فإثبات السالبة الجزئية يقتضي إبطال الموجبة الكلية، لأن إثبات النقيض يستلزم نفي نقيضه الآخرِ كما أوضحناه مرارًا.
---------------
(¬١) ص ٥٧، مع حاشية الباجوري.

الصفحة 294