كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

فأحد حكمي الأصل عدم وجوب النية في الطهارة في الجامد، وهو منتف عن الفرع اتفاقًا؛ لوجوب النية فيه، والآخر عدم وجوب النية في الطهارة بالمائع، وهو المختلف فيه، فيُثبته المستدِل في الفرع، فيقول المعترض: فتجب التسوية بين الحكمين في الفرع، كما وجبت بينهما في الأصل.
واعلم أن قلب المساواة هذا الذي ذكرنا اختُلف في قبوله، فمنع بعضُهم قبوله، وممن منعه القاضي أَبو بكر الباقلاني (¬١) من المالكية، وحجة من قال بأنه لا يُقبل هي أن وجه استدلال المعترض القالبِ غيرُ وجه استدلال المستدل؛ إذ وجه استدلال المستدل في المثال المذكور كونُ الجامع الطهارةَ بالماء، ووجه استدلال المعترض كونُه مطلقَ الطهارة.
وقال الباجي (¬٢): لا يصح قلب القلب؛ لأن القلب نقض للعلة، والنقض لا ينقض.
وقال بعض المالكية والشَّافعية: يصح قلب القلب؛ لأن القلب معارضة في الحكم، والمعارضة تُعارض، فيُصار إلى الترجيح، في أن القلب معارضة لا يتم القدح به بمجرده، بل حتَّى يعجز المستدل عن الترجيح. وعلى أنَّه نقضٌ يقدح بمجرده، والصواب أنَّه معارضة
---------------
(¬١) محمد بنُ الطيب بنُ محمد بنُ جعفى، من كبار المتكلمين، وفاته سنة ٤٠٣ هـ، انظر سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٩٠).
(¬٢) أَبو الوليد، سليمان بنُ خلف بنُ سعد، الأندلسي، المالكي، حياته ما بين (٤٠٣ - ٤٧٤ هـ)، انظر سير أعلام النبلاء (١٨/ ٥٣٥ - ٥٤٥).

الصفحة 322