كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

فصل في إيضاح طرق مناظرة المتكلمين في الأدلة التي جاءوا بها
ونفوا بها بعض صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ويكفينا في هذا البحث تطبيقُه في مثال واحد؛ لأن جميع الصفات حكمُها واحد، فإيضاح مثال واحد منها مستلزمٌ لإيضاح جميعِها؛ لأنها كلَّها من باب واحد؛ لأن الموصوفَ بها -جل وعلا- واحد، وهو منزه كلَّ التنزيه عن مشابهة الخلق في شيء من ذواتهم أو صفاتهم أو أفعالهم، فإيضاح مثال واحد منها إيضاحٌ لها كلِّها.
وذلك المثال الذي نذكره في هذا الموضوع هو استواء الله -جل وعلا- على عرشه، فهو -سبحانه جل وعلا- أثنى على نفس في سبع آيات من كتابه (¬١) بأنه استوى العرش، فهي صفة ثابتة ثبوتًا قطعيًّا بسبعة أدلة قرآنية صريحة، وهذه الصفة الكريمة المقدسة التي كرر الله في كتابه ثناءه بها على نفسه ينفيها من أصلها كثير من [المتكلمين] (¬٢)، والذين ينفونها قصدُهم حسن، وهو تنزيه الله عن مشابهة خلقه، ولكن هذا القصد الحسنَ تلزمه الإساءةُ الكبرى والجناية العظمى من ثلاث جهات، كلُّ واحدة منها أكبرُ من أختها، فهم ينطبق عليهم بيت الإمام
---------------
(¬١) الأعراف ٤٥، يونس ٣، الرعد ٢، طه ٥، الفرقان ٥٩، السجدة ٤، الحديد ٤.
(¬٢) في المطبوع: (المتعلمين)، و (المتكلمون) مصطلح يتناول كل من اشتغل بتقرير العقائد الإسلامية بالطرق العقلية على خلاف منهج السلف.

الصفحة 356