كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

الأول: منع كبراه وهي الشرطية فنقول: قولكم: (لو كان مستويًا على العرش لكان مشابهًا للمخلوق) شرطية متصلة كاذبة؛ لأن الربط بين مقدَّمها وتاليها غيرُ صحيح، ومدار صدق الشرطية على صدق الربط كما قدمنا إيضاحه، فإذا كان الربط بين المقدَّم والتالي غيرَ صحيحٍ كما هنا كانت الشرطيةُ غيرَ صحيحة، ولذلك أنتجت نقيض آيات القرآن، والتالي في هذه الشرطية أخصُّ من المقدَّم، والحكم بالأخص على الأعم لا يصدق إلا جزئيًّا، سلبًا كان أو إيجابًا، وسواءٌ كان الحكم معلقًا كما في الشرطيات أو غيرَ معلق كما في الحمليّات، بل هو -تعالى- مستوٍ على عرشه كما قال، مع التنزيه التام عن مشابهة المخلوق في استوائه؛ لأن استواءه كسائر صفاته وكذاته في تنزيه الجميع عن مشابهة الخلق، فدعوى أن استواءه على عرشه تلزمه مشابهة المخلوق دعوى كاذبةٌ كذبًا لا يماثله كذبٌ في الشناعة.
ومما يوضح هذا أنه لو قال معطل آخر: لو كان سميعًا بصيرًا لكان مشابهًا للمخلوق الذي يسمع ويُبصر، لكنه ليس مشابهًا للمخلوق، ينتج له: فليس سميعًا ولا بصيرًا، وهذا القياس كالذي قبله؛ لأن كلا منهما قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة واستثنائية، استَثْنَى فيه المستدلُّ به نقيضَ التالي فأنتح له في زعمه الباطل نقيضَ المقدَّم، ولو كان الربط صحيحًا لكان الإنتاج صحيحًا، لكن الربط باطل فالإنتاج باطل، فلو قال من يثبت السمع والبصر: قولك لو كان سميعًا بصيرًا لا تلزمه مشابهةُ الخلق؛ لتنزيه سمعه وبصره عن مشابهه أسماع الخلق وأبصارهم. لقال له خصمه: وكذلك قولك (لو كان مستويًا على العرش لكان مشابهًا للمخلوق) شرطية كاذبة الربط؛ لأن استواءه على

الصفحة 358