كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

مشابهة ولا مماثلة لاستواء المخلوق.
والاعتراف بهذا يَلزم الخصم لزومًا لا تخلّص له منه؛ لاعترافه بنظيره في كونه -تعالى- سميعًا بصيرًا قادرًا مريدًا إلخ، وأنه لم يلزم من ذلك مشابهةُ المخلوقات التي تسمع وتبصر وتَقْدِرُ وتريد.
وكلهم (¬١) يعترفون بأنه موجودٌ والمخلوقَ موجود، ولم تلزم من ذلك المشابهة، والجميع من باب واحد، والفرق بين صفة وصفة من ذلك لا وجه له البتة، ولا يقوم عليه دليل أبدًا كما لا يخفى.
وتبين أن قولهم (لو كان مستويًا على العرش لشابه الخلق) شرطيةٌ كاذبة، وأنها لا تصدق إلا جزئية، كما لو سُوِّرتْ بسور جزئي فقيل فيها: قد يكون إذا كان الشيء مستويًا على مخلوق كان مشابهًا للمخلوق؛ لأن الاستواء على المخلوق قسمان: قسمٌ تلزمه مشابهة المخلوق وهو استواء المخلوق، وقسمٌ لا يلزمه ذلك وهو استواء الخالق -جل وعلا-؛ لأنه لا يشبهه استواء المخلوق بوجه من الوجوه، كما أن سائر صفاته -جل وعلا- لا تشبه شيئًا من صفات المخلوقين، وكما أن ذاته -جل وعلا- لا تشبه شيئًا من ذواتهم، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
ووجه جعلهم الدليلَ المنتجَ لنقيض القرآن اقترانيًا هو أن يقول نافي الاستواء: قولُكم (هو مستوٍ على عرشه) لو جعلناه مقدمة صغرى وضمَمْنا إليها مقدمة صادقة كبرى فإن النتيجة تكون كاذبة، فانحصر
---------------
(¬١) يقصد المؤلف -رحمه الله- من ينفي بعض الصفات أو جميعها.

الصفحة 361