كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

ومن وفقه الله لفهم هذا الأساس الأعظمِ ونزه خالقَه عن مشابهة الخلق تنزيهًا تامًّا جازمًا به قلبُه فإن قلبه يكون طاهرًا من أفذار التشبيه، وتكون عقيدتُه مبنية على أساس صحيح، وهو تنزيه خالق السموات والأرض عن مشابهة خلقه، في ضوء قوله -تعالى-: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ}، ونحوها من الآيات، فإذا استحكم هذا الأساس الأعظمُ في قلب المؤمن كان استحكامه فيه سببًا لتوفيقه للأساس الثاني من الأسس الثلاثة التي ذكرنا.
ونعني بالأساس الثاني المذكور تصديقَ الله فيما أثنى به على نفسه، وتصديقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أثنى على ربه، والإيمانَ بتلك الصفات الثابتةِ في القرآن العظيم و [السنة] (¬١) الصحيحةِ إيمانًا مبنيًّا على أساس ذلك التنزيه.
فهذان أساسان عظيمان: الأول تنزيه الله -تعالى- عن مشابهة خلقه، والثاني الإيمان بصفاته الثابتة في الوحي الصحيح إيمانًا مبنيًّا على أساس ذلك التنزيه، بعيدًا كلَّ البعد عن مشابهة الخلق، وكيف يخطر في ذهن المؤمن العاقل مشابهةُ الخلق لخالقهم؟ فالصنعة لا تشبه صانعها بحال.
وهذان الأساسان أوضحهما الله في محكم كتابه إيضاحًا لا يترك في الحق لبسًا ولا شبهة، وذلك في قوله -تعالى-: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١]؛ لأن قوله: {وَهُوَ
---------------
(¬١) في المطبوع: (وللسنة).

الصفحة 366