كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} بعد قوله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} فيه سرٌ أعظمُ وتعليمٌ أكبر، في أوضح عبارة وأوجزِها، لا يترك في الحق لبسًا.
وإيضاح ذلك أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر صفتان يتصف بهما جميع الحيوانات -ولله المثل الأعلى-، فكأن الله يقول: يا عبدي، لا يخطرْ في عقلك أن سمعي وبصري يشابهان أسماع المخلوقين وأبصارَهم، حتى تقول: إن هذا النص يوهم غيرَ اللائق فتؤولَه أو تنفيَه، بل أثبتْ لي سمعي وبصري كما [أَثبتُّهما] (¬١) على نفسي، إثباتًا مبنيًّا على أساس التنزيه، ولاحظ في ذلك قولي قبله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ}.
وهذا تعليم قرآني لا يتركُ في الحق لبسًا ولا شبهة، فأول الآية الكريمة الذي هو {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} تنزيه تام من غير تعطيل، وآخرُها وهو قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إيمان بالصفات من غير تشبيه ولا تمثيل، فيجب علينا أن نعتقد ما دل عليه أولها من التنزيه، وما دل عليه آخرُها من إثبات الصفات والإيمان بها على أساس ذلك التنزيه.
فلا نتنطع بين يدي خالقنا وننفي عنه صفة الكمال [التي] (¬٢) أثنى بها على نفسه، ولا نشبّه خالقنا بخلقه، بل نجمع بين التنزيه أولًا, والإيمانِ بالصفات ثانيًا, حسبما دلت عليه آية {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ
---------------
(¬١) في المطبوع: (أثبت بهما).
(¬٢) ساقطة من المطبوع, والسياق يقتضيها.

الصفحة 367