كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

فلا يقول له الله: لمَ كنتَ تنزهُني في دار الدنيا عن مشابهة خلقي؟ لا والله لا يقول له ذلك أبدًا؛ لأن ذلك الأساسَ طريقُ سلامة محققَّة كما ترى.
ولا يقول له الله: لمَ كنتَ في دار الدنيا تصدقُني فيما أثنيت به على نفسي وتصدقُ رسولي فيما أثنى به عليَّ وتؤمنُ بتلك الصفات إيمانًا مبنيًّا على أساس التنزيه؟ لا والله لا يقول له ذلك؛ لأن هذا الأساس الثانيَ طريق سلامة محقّقة.
ولا يقول له الله: لمَ كنت في دار الدنيا تقول: إن البشر لا يحيطون بي علمًا؟
فهذه الأسسُ الثلاثة التي هي مذهب السلف كلُّها طريق سلامة محققة، وأدلتها ساطعة أنوارها من كتاب الله -جل وعلا-.
تنبيهان:
الأول: اعلم أنه إن قال معطل متنطع: نحن لا نعقل كيفية استواء مثلًا منزهةً عن مشابهة كيفية استواء الخلق، فبيّنوا لنا كيفية معقولة منزهة عن مشابهة كيفيات استواء الخلق لنعتقدها؛ لأنا لم تدرك عقولُنا كيفية استواء منزهة عن ذلك، فالجواب من وجهين:
الأول: أن يقال: هل عرفت كيفيةَ الذات الكريمةِ المقدسةِ المتصِفةِ بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا. فإن قال لا قلنا له: معرفةُ كيفية الاتصاف بالصفات متوقفةٌ على معرفة كيفية الذات؛ لأن الصفاتِ تختلف باختلاف موصوفاتِها، فكل صفة بحسب موصوفها، ألا ترى -

الصفحة 369