كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

ولله المثل الأعلى- أن لفظة رأس مثلًا إذا أضفتَها إلى الإنسان فقلت: رأس الإنسان، وأضفتها إلى الوادي فقلت: رأس الوادي، وأضفتها إلى الجبل فقلت: رأس الجبل، وأضفتها إلى المال فقلت: رأس المال، أن لفظة الرأس واحدة، وأنها اختلفت حقائقُها اختلافًا عظيمًا بحسب اختلاف إضافاتها، وهذا في اختلاف الإضافات إلى مخلوقات حقيرة، فما بالك بالاختلاف الواقع بين ما أضيف إلى الخالق وما أضيف إلى خلقه، فالفرق بين ذلك كالفرق بين ذات الخالق وذوات المخلوقين.
الوجه الثاني: هو أن تقول: هل عرفتم كيفيةً منزهة عن مشابهة الخلق في السمع والبصر مثلًا؛ فلا بد أن يقولوا أيضًا: لا، ولكنا نعلم أن سمع الله وبصره منزهان عن مشابهة أسماع الخلق وأبصارهم. فإن قالوا ذلك قلنا: ونحن نقول مثل ذلك في الاستواء وسائر الصفات الثابتة بالوحي الصحيح.
التنبيه الثاني: اعلم أنه إن قال معطل متنطع: إن القرآن العظيم نزل بلغة العرب، والاستواء في لغتهم هو هذا الذي نشاهده في استواء المخلوقين، فإثباته دله يستلزم التشبيه بالخلق بحسب الوضع العربي الذي نزل به القرآن، فالجواب من وجهين أيضًا:
الأول: أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم يعلمون كلَّ العلم من معاني لغتهم أن بين الخالق والمخلوق والرازق والمرزوق والمحيي والمُحيىَ والمميت والمُمَات إلى آخره فوارقَ عظيمةً هائلةً مستلزمةً للاختلاف التام بين صفات الخالق والمخلوق والرازق والمرزوق. وأن

الصفحة 370