كتاب آداب البحث والمناظرة (اسم الجزء: 1)

أصل اللغة يقتضي أن تكون صفةُ كل منهما مناسبةً لحاله، فعظمة صفة الخالق كعظمة ذاته، وانحطاط صفة المخلوق عنها كانحطاط ذاته عن عظمة ذاته، وما كان يلتبس ذلك على عوام المسلمين في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فما كان يخطر في عقولهم مشابهةُ صفة الخالق لصفة خلقه، بل يعلمون أن صفة الخالق لائقةٌ به، وصفةَ المخلوق لائقةٌ به، والفرق بينهما كالفرق بين الذات والذات.
الوجه الثاني: أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لا يعرفون للسمع والبصر مثلًا كيفية إلا هذا المعنى المشاهد في المخلوقين بالحاسة التي هي جارحة، فيلزم قولَكم أن يكون إثبات السمع والبصر ونحوهما من الصفات يستلزم التشبيه بحسب الوضع العربي الذي نزل به القرآن.
فإن قالوا لا يلزمُ من كون الوضع العربي يراد فيه بمعنى السمع والبصر ما هو مشاهد في المخلوقات أن يكون سمعُ الله وبصرُه مشابهين لأسماع الخلق وأبصارهم؛ [لتنزّه] (¬١) صفاته عن مشابهة صفاتهم، قلنا: وكذلك نقول في الاستواء ونحوه، ولا وجه البتة للفرق بين السمع والبصر وبين الاستواء، والمشاهدُ من الجميع في المخلوقات لا يليق بالله -جل وعلا-، والذي اتصف الله به من الجميع منزه عن مشابهة صفات الخلق، كتنزيه سائر صفاته وذاته عن مشابهة صفات الخلق وذواتهم.
ولا يخفى أنه -جل وعلا- وصف نفسه بالقدرة فقال: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى
---------------
(¬١) في المطبوع: (لتنزيه)، والمثبت هو اللائق بالسياق.

الصفحة 371