كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 1)
الحاج على الحقيقة والمنتفع به، أو لأجله حتى لا يتضرر بترك ما يهمه منهما. وَاتَّقُوا اللَّهَ في مجامع أموركم ليعبأ بكم. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء بعد الإِحياء. وأصل الحشر الجمع وضم المتفرق.
[سورة البقرة (2) : آية 204]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ يروقك ويعظم في نفسك، والتعجب: حيرة تعرض للإِنسان لجهله بسبب المتعجب منه. فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بالقول، أي ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش، أو في معنى الدنيا فإنها مراد من إدعاء المحبة وإظهار الإيمان، أو يعجبك أي يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدهشة والحبسة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام. وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ يحلف ويستشهد الله على أن ما في قلبه موافق لكلامه. وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ شديد العداوة والجدال للمسلمين، والخصام المخاصمة ويجوز أن يكون جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى أشد الخصوم خصومة.
قيل نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويدعي الإِسلام.
وقيل في المنافقين كلهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 205 الى 206]
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206)
وَإِذا تَوَلَّى أدبر وانصرف عنك. وقيل: إذا غلب وصار والياً. سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ كما فعله الأخنس بثقيف إذ بيتهم وأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإِتلاف، أو بالظلم حتى يمنع الله بشؤمه القطر فيهلك الحرث والنسل. وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسادَ لا يرتضيه فاحذروا غضبه عليه.
وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ حملته الأنفة وحمية الجاهلية على الإِثم الذي يؤمر باتقانه لجاجاً، من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه. فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ كفته جزاء وعذابا، وجَهَنَّمُ.
علم لدار العقاب وهو في الأصل مرادف للنار. وقيل معرب. وَلَبِئْسَ الْمِهادُ جواب قسم مقدر والمخصوص بالذم محذوف للعلم به، والمهاد الفراش. وقيل ما يوطأ للجنب.
[سورة البقرة (2) : آية 207]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ يبيعها أي يبذلها في الجهاد، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يُقتل ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ طلباً لرضاه. قيل: إنها نزلت في صهيب بن سنان الرومي، أخذه المشركون وعذبوه ليرتد فقال: إني شيخ كبير لا ينفعكم إن كنتُ معكم ولا يضركم إن كنت عليكم فخلوني وما أنا عليه وخذوا مالي فقبلوه منه وأتى المدينة. وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشراء وكلفهم بالجهاد فعرضهم لثواب الغزاة والشهداء.
[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 209]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً السِّلْمِ بالكسر والفتح الاستسلام والطاعة، ولذلك يطلق في الصلح والإِسلام. فتحه ابن كثير ونافع والكسائي وكسره الباقون. وكافة اسم للجملة لأنها تكف الأجزاء
الصفحة 133
172