كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 1)

وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ التعريض والتلويح إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازاً، كقول السائل جئتك لأسلم عليك، والكناية هي الدلالة على الشيء بذكر لوازمه وروادفه، كقولك الطويل النجاد للطويل، وكثير الرماد للمضياف. والخطبة بالضم والكسر اسم الحالة، غير أن المضمومة خصت بالموعظة والمكسورة بطلب المرأة، والمراد بالنساء المعتدات للوفاة، وتعريض خطبتها أن يقول لها إنك جميلة أو نافقة ومن غرضي أن أتزوج ونحو ذلك. أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أو أضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه تصريحاً ولا تعريضاً. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولا تصبرون على السكوت عنهن وعن الرغبة فيهن وفيه نوع توبيخ. وَلكِنْ لاَّ تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا
استدراك على محذوف دل عليه ستذكرونهن أي فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن نكاحاً أو جماعاً، عبر بالسر عن الوطء لأنه مما يسر ثم عن العقد لأنه سبب فيه. وقيل معناه لا تواعدوهن في السر على أن المعنى بالمواعدة في السر المواعدة بما يستهجن. إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والمستثنى منه محذوف أي: لا تواعدوهن مواعدة إلا مواعدة معروفة، أو إلا مواعدة بقول معروف. وقيل إنه استثناء منقطع من سراً وهو ضعيف لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن إلا التعريض، وهو غير موعود. وفيه دليل حرمة تصريح خطبة المعتدة وجواز تعريضها إن كانت معتدة وفاة. واختلف في معتدة الفراق البائن والأظهر جوازه. وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ذكر العزم مبالغة في النهي عن العقد، أي ولا تعزموا عقد عقدة النكاح. وقيل معناه ولا تقطعوا عقدة النكاح فإن أصل العزم القطع. حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ حتى ينتهي ما كتب من العدة. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم على ما لا يجوز. فَاحْذَرُوهُ ولا تعزموا. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن عزم ولم يفعل خشية من الله سبحانه وتعالى. حَلِيمٌ لا يعاجلكم بالعقوبة.

[سورة البقرة (2) : آية 236]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
لاَّ جُناحَ عَلَيْكُمْ لا تبعة من مهر. وقيل من وزر لأنه لا بدعة في الطلاق قبل المسيس. وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر النهي عن الطرق فظن أن فيه حرجاً فنفى إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أي تجامعوهن.
وقرأ حمزة والكسائي «تماسوهن» بضم التاء ومد الميم في جميع القرآن. أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً إلا أن تفرضوا، أو حتى تفرضوا أو وتفرضوا. والفرض تسمية المهر، وفريضة نصب على المفعول به، فعيلة بمعنى مفعول. والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإِسمية، ويحتمل المصدر. والمعنى أنه لا تبعة على المطلق من مطالبة المهر إذا كانت المطلقة غير ممسوسة ولكن يسم لها مهراً، إذ لو كانت ممسوسة فعلية المسمى، أو مهر المثل. ولو كانت غير ممسوسة ولكن سمي لها فلها نصف المسمى، فمنطوق الآية ينفي الوجوب في الصورة الأولى، ومفهومها يقتضي الوجوب على الجملة في الأخيرتين. وَمَتِّعُوهُنَّ عطف على مقدر أي فطلقوهن ومتعوهن، والحكمة في إيجاب المتعة جبر إيحاش الطلاق، وتقديرها مفوض إلى رأي الحاكم ويؤيده قوله:
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ أي على كل من الذي له سعة، والمقتر الضيق الحال ما يطيقه ويليق به، ويدل عليه
قوله عليه السلام لأنصاري طلق امرأته المفوضة قبل أن يمسها «متعها بقلنسوتك»
. وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: هي درع وملحفة وخمار حسب الحال إلا أن يقل مهر مثلها عن ذلك فلها نصف مهر المثل، ومفهوم الآية يقتضي تخصيص إيجاب المتعة للمفوضة التي لم يمسها الزوج، وألحق بها الشافعي رحمه الله تعالى في أحد قوليه الممسوسة المفوضة وغيرها قياساً، وهو مقدم على المفهوم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص وابن ذكوان بفتح الدال مَتاعاً تمتيعاً. بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروءة. حَقًّا صفة لمتاعاً، أو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقاً. عَلَى الْمُحْسِنِينَ الذي يحسنون إلى

الصفحة 146