كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 1)
واسط وقع فيها طاعون فخرجوا هاربين، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويتيقنوا أن لا مفر من قضاء الله تعالى وقدره. أو قوماً من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد ففروا حذر الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم. وَهُمْ أُلُوفٌ أي ألوف كثيرة. قيل عشرة. وقيل ثلاثون. وقيل سبعون وقيل متألفون جمع إلف أو آلف كقاعد وقعود والواو للحال. حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له. فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا أي قال لهم موتوا فماتوا كقوله: كُنْ فَيَكُونُ والمعنى أنهم ماتوا ميتة رجل واحد من غير علة، بأمر الله تعالى ومشيئته. وقيل ناداهم به ملك وإنما أسند إلى الله تعالى تخويفاً وتهويلاً. ثُمَّ أَحْياهُمْ قيل مر حزقيل عليه السلام على أهل داوردان وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم، فتعجب من ذلك فأوحى الله تعالى إليه ناد فيهم أن قوموا بإذن الله تعالى، فنادى فقاموا يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لاَّ إله إِلا أَنتَ. وفائدة القصة تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة، وحثهم على التوكل والاستسلام للقضاء. إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أحياهم ليعتبروا ويفوزوا وقص عليهم حالهم ليستبصروا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ أي لا يشكرونه كما ينبغي، ويجوز أن يراد بالشكر الاعتبار والاستبصار.
[سورة البقرة (2) : الآيات 244 الى 245]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لما بين أن الفرار من الموت غير مخلص منه وأن المقدر لا محالة واقع، أمرهم بالقتال إذ لو جاء أجلهم في سبيل الله وإِلا فالنصر والثواب. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقوله المتخلف والسابق. عَلِيمٌ بما يضمرانه وهو من وراء الجزاء.
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ مَنْ استفهامية مرفوعة الموضع بالابتداء، وذَا خبره، والَّذِي صفة ذا أو بدله، وإقراض الله سبحانه وتعالى مثل لتقديم العمل الذي به يطلب ثوابه. قَرْضاً حَسَناً إقراضاً حسناً مقروناً بالإخلاص وطيب النفس أو مقرضاً حلالاً طيباً. وقيل: القرض الحسن بالمجاهدة والإِنفاق في سبيل الله فَيُضاعِفَهُ لَهُ فيضاعف جزاءه، أخرجه على صورة المغالبة للمبالغة، وقرأ عاصم بالنصب على جواب الاستفهام حملاً على المعنى، فإن مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ في معنى أيقرض الله أحد. وقرأ ابن كثير «فيضعفه» بالرفع والتشديد وابن عامر ويعقوب بالنصب. أَضْعافاً كَثِيرَةً كثرة لا يقدرها إلا الله سبحانه وتعالى. وقيل الواحد بسبعمائة، و «أضعافاً» جمع ضعف ونصبه على الحال من الضمير المنصوب، أو المفعول الثاني لتضمن المضاعفة معنى التصيير أو المصدر على أن الضعف اسم مصدر وجمعه للتنويع. وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ يقتر على بعض ويوسع على بعض حسب ما اقتضت حكمته، فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم كيلا يبدل حالكم. وقرأ نافع والكسائي والبزي وأبو بكر بالصاد ومثله في الأعراف في قوله تعالى: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على حسب ما قدمتم.
[سورة البقرة (2) : آية 246]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ الْمَلَإِ جماعة يجتمعون للتشاور، ولا واحد له كالقوم ومن للتبعيض. مِنْ بَعْدِ مُوسى أي من بعد وفاته ومن للابتداء. إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ هو يوشع، أو شمعون، أو
الصفحة 149
172