كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 3)

أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ
خبران له. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ كالدليل عليهما والمعنى: أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب، وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً سمع ذلك فتعلمته منه، وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه القصة كقوله: مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا.
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم. بِمُؤْمِنِينَ لعنادهم وتصميمهم على الكفر.

[سورة يوسف (12) : الآيات 104 الى 105]
وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105)
وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ على الإنباء أو القرآن. مِنْ أَجْرٍ من جعل كما يفعله حملة الأخبار. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله تعالى. لِلْعالَمِينَ عامة.
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ وكم من آية. والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده. فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها على الآيات ويشاهدونها. وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وقرئ وَالْأَرْضِ بالرفع على أنه مبتدأ خبره يَمُرُّونَ، فيكون لها الضمير في عَلَيْها وبالنصب على ويطئون الأرض. وقرئ و «الأرض يمشون عليها» أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة.

[سورة يوسف (12) : الآيات 106 الى 108]
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ في إقرارهم بوجوده وخالقيته. إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أرباباً. ونسبة التبني إليه تعالى، أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك. وقيل الآية في مشركي مكة، وقيل في المنافقين. وقيل في أهل الكتاب.
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ عقوبة تغشاهم وتشملهم. أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فجأة من غير سابقة علامة. وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بإتيانها غير مستعدين لها.
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي يعني الدعوة إلى التوحيد والإِعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل بقوله: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ وقيل هو حال من الياء. عَلى بَصِيرَةٍ بيان وحجة واضحة غير عمياء. أَنَا تأكيد للمستتر في أَدْعُوا أو عَلى بَصِيرَةٍ لأنه حال منه أو مبتدأ خبره عَلى بَصِيرَةٍ. وَمَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه. وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وأنزهه تنزيهاً من الشركاء.

[سورة يوسف (12) : آية 109]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا رد لقولهم لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً وقيل معناه نفي استنباء النساء يُوحِي إِلَيْهِمُ كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم. وقرأ حفص نُوحِي في كل القرآن ووافقه

الصفحة 178