كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 3)

[سورة الأعراف (7) : الآيات 106 الى 108]
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ من عند من أرسلك. فَأْتِ بِها فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك. إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في الدعوى.
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان وهو الحية العظيمة.
روي: أنه لما ألقاها صارت ثعباناً أشعر فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً، وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر. ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً، وصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا.
وَنَزَعَ يَدَهُ من جيبه أو من تحت إبطه. فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي بيضاء بياضاً خارجاً عن العادة تجتمع عليها النظارة، أو بيضاء للنظار لا أنها كانت بيضاء في جبلتها.
روي: أنه عليه السلام كان آدم شديد الأدمة، فأدخل يده في جيبه أو تحت إبطه ثم نزعها فإذا هي بيضاء نورانية غلب شعاعها شعاع الشمس.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 109 الى 112]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ قيل قاله هو وأشراف قومه على سبيل التشاور في أمره، فحكى عنه في سورة الشعراء وعنهم ها هنا.
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ تشيرون في أن نفعل.
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ.
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ كأنه اتفقت عليه آراؤهم فأشاروا به على فرعون، والإِرجاء التأخير أي أخر أمره، وأصله أرجئه كما قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب من أرجأت، وكذلك «أرجئهوه» على قراءة ابن كثير على الأصل في الضمير، أو أرجهي من أرجيت كما قرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي، وأما قراءته في رواية قالون أَرْجِهْ بحذف الياء فللاكتفاء بالكسرة عنها، وأما قراءة حمزة وعاصم وحفص أَرْجِهْ بسكون الهاء فلتشبيه المنفصل بالمتصل وجعل أَرْجِهْ كابل في إسكان وسطه وأما قراءة ابن عامر برواية ابن ذكوان «أرجئه» بالهمزة وكسر الهاء فلا يرتضيه النحاة فإن الهاء لا تكسر إلا إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة، ووجهه أن الهمزة لما كانت تقلب ياء أجريت مجراها. وقرأ حمزة والكسائي «بكل سحار» فيه وفي «يونس» ويؤيده اتفاقهم عليه في «الشعراء» .

[سورة الأعراف (7) : الآيات 113 الى 114]
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ بعد ما أرسل الشرطة في طلبهم. قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ استأنف به كأنه جواب سائل قال: ما قالوا إذ جاءوا؟ وقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم إِنَّ لَنا لَأَجْراً على الإِخبار وإيجاب الأجر كأنهم قالوا لا بد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم.
قالَ نَعَمْ إن لكم لأجراً. وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عطف على ما سد مسده نَعَمْ وزيادة على

الصفحة 27