كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 5)

وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ أي نعم العبد سليمان إذ ما بعده تعليل للمدح وهو من حاله. إِنَّهُ أَوَّابٌ رجاع إلى الله بالتوبة، أو إلى التسبيح مرجع له.
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ظرف ل أَوَّابٌ أو ل نِعْمَ، والضمير ل سُلَيْمانَ عند الجمهور بِالْعَشِيِّ بعد الظهر الصَّافِناتُ الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذي لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص. الْجِيادُ جمع جواد أو جود، وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود في الركض، وقيل جمع جيد.
روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيبين وأصاب ألف فرس
، وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر، أو عن ورد كان له فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقرباً لله.

[سورة ص (38) : الآيات 32 الى 33]
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33)
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أصل أَحْبَبْتُ أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت عدي تعديته، وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله:
مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إِذَا أَحَبَّا أي برك، وحُبَّ الْخَيْرِ مفعول له والخير المال الكثير، والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيراً لتعلق الخير بها.
قال عليه الصلاة والسلام «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء. حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ أي غربت الشمس، شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها.
رُدُّوها عَلَيَّ الضمير ل الصَّافِناتُ. فَطَفِقَ مَسْحاً فأخذ بمسح السيف مسحاً. بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أي بسوقها وأعناقها يقطعها من قولهم مسح علاوته إذا ضرب عنقه، وقيل جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها حبالها، وعن ابن كثير «بالسؤق» على همز الواو لضمة ما قبلها كمؤقن، وعن أبي عمرو «بالسؤوق» وقرئ «بالساق» اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الإلباس.

[سورة ص (38) : آية 34]
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ وأظهر ما قيل فيه ما
روي مرفوعاً «أنه قال:
لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة جاءت بشق رجل، فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرساناً» .
وقيل ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله فعلم ذلك، فكان يغدوه في السحاب فما شعر به إلا أن ألقي على كرسيه ميتاً فتنبه على خطئه بأن لم يتوكل على الله. وقيل إنه غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها وأصاب ابنته جرادة، فأحبها وكان لا يرقأ دمعها جزعاً على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته فكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه، فأخبره آصف فكسر الصورة وضرب المرأة وخرج إلى الفلاة باكياً متضرعاً، وكانت له أم ولد اسمها أمينة إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه وكان ملكه فيه، فأعطاها يوماً فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر وأخذ الخاتم وتختم به وجلس على كرسيه، فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء إلا في نسائه وغير سليمان عن هيئته، فأتاها لطلب الخاتم فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته، فكان يدور على البيوت يتكفف حتى مضى أربعون يوماً عدد ما عبدت الصورة في بيته، فطار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده فبقر بطنها فوجد الخاتم فتختم به وخر ساجداً

الصفحة 29