كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 5)
وعاد إليه الملك، فعلى هذا الجسد صخر سمي به وهو جسم لا روح فيه لأنه كان متمثلاً بما لم يكن كذلك، والخطيئة تغافله عن حال أهله لأن اتخاذ التماثيل كان جائزاً حينئذ، وسجود الصورة بغير علمه لا يضره.
[سورة ص (38) : آية 35]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لي مناسبة لحالي، أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته كقولك:
لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال، على إرادة وصف الملك بالعظمة لا أن لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة، وتقديم الاستغفار على الاستيهاب لمزيد اهتمامه بأمر الدين ووجوب تقديم ما يجعل الدعاء بصدد الإِجابة. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ المعطي ما تشاء لمن تشاء.
[سورة ص (38) : الآيات 36 الى 38]
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (38)
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرئ «الرياح» . تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً لينة من الرخاوة لا تزعزع، أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد. حَيْثُ أَصابَ أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب.
وَالشَّياطِينَ عطف على الرِّيحَ. كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ بدل منه.
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ عطف على كُلَّ كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها، هذا والأقرب أن المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالإِقران في الصفد وهو القيد، وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه. وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة.
[سورة ص (38) : الآيات 39 الى 40]
هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
هذا عَطاؤُنا أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطاؤنا.
فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ فاعط من شئت وامنع من شئت. بِغَيْرِ حِسابٍ حال من المستكن في الأمر، أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض. والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره، وقيل الإِشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإِمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد.
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا. وَحُسْنَ مَآبٍ هو الجنة.
[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه. إِذْ نادى رَبَّهُ بدل من عَبْدَنا وأَيُّوبَ عطف بيان له. أَنِّي مَسَّنِيَ بأني مسني، وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل. الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ بتعب. وَعَذابٍ ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي
الصفحة 30
358