كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 5)

(39) سورة الزمر
مكية إلا قوله: (قُلْ يا عِبادِيَ) الآية وآيها خمس وسبعون أو اثنتان وسبعون آية

[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر محذوف مثل هذا أو مبتدأ خبره. مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وهو على الأول صلة ل تَنْزِيلُ، أو خبر ثان أو حال عمل فيها معنى الإِشارة أو ال تَنْزِيلُ، والظاهر أن الْكِتابِ على الأول السورة وعلى الثاني القرآن، وقرئ «تَنزِيلَ» بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم.
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ملتبساً بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ممحضا له الدين من الشرك والرياء، وقرئ برفع «الدين» على الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكداً وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال:

[سورة الزمر (39) : آية 3]
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي ألا هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة، فإنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يحتمل المتخذين من الكفرة والمتخذين من الملائكة وعيسى والأصنام على حذف الراجع وإضمار المشركين من غير ذكر لدلالة المساق عليهم، وهو مبتدأ خبره على الأول. مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى بإضمار القول. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وهو متعين على الثاني، وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالاً أو بدلاً من الصلة وزُلْفى مصدر أو حال، وقرئ «قالوا ما نعبدهم» و «ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله» حكاية لما خاطبوا به آلهتهم و «نَعْبُدُهُمْ» بضم النون اتباعاً. فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم، وقيل لهم ولمعبوديهم فإنهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونها. إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي لا يوفق للاهتداء إلى الحق. مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ فإنهما فاقدا البصيرة.

[سورة الزمر (39) : الآيات 4 الى 5]
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
.

الصفحة 36