كتاب تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (اسم الجزء: 5)
فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ.
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ ثم بينوا أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمراً مقضياً لا محيص لهم عنه، وإن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم، وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإِغواء غاو فمن أغواهم.
[سورة الصافات (37) : الآيات 33 الى 35]
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
فَإِنَّهُمْ فإن الأتباع والمتبوعين. يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ كما كانوا مشتركين في الغواية.
إِنَّا كَذلِكَ مثل ذلك الفعل. نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ بالمشركين لقوله تعالى:
إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ أي عن كلمة التوحيد، أو على من يدعوهم إليه.
[سورة الصافات (37) : الآيات 36 الى 39]
وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ يعنون محمداً عليه الصلاة والسلام.
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون.
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ بالإشراك وتكذيب الرسل، وقرئ بنصب الْعَذابِ، على تقرير النون كقوله:
وَلاَ ذَاكِرُ الله إِلاَّ قَلِيلاً وهو ضعيف في غير المحلى باللام وعلى الأصل.
وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إلا مثل ما عملتم.
[سورة الصافات (37) : الآيات 40 الى 43]
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في تُجْزَوْنَ لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة، فإن ثوابهم مضاعف والمنقطع أيضاً بهذا الاعتبار.
أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ خصائصه من الدوام، أو تمحض اللذة ولذلك فسره بقوله:
فَواكِهُ فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي والقوت بالعكس، وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة. وَهُمْ مُكْرَمُونَ في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال كما عليه رزق الدنيا.
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ في جنات ليس فيها إلا النعيم، وهو ظرف أو حال من المستكن في مُكْرَمُونَ، أو خبر ثان ل أُولئِكَ وكذلك:
[سورة الصافات (37) : الآيات 44 الى 47]
عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47)
الصفحة 9
358