كتاب بين الرشاد والتيه

فلو قام العالم العربي بوضع ميزانيته، وفتش في كل ركن من بيته، ولو راجع ضميره من دون أي تلطيف، لشاهد معجزة تبرز من اعترافه، تدهش العالم وتدهشه هو نفسه (1).
وينبغي، خاصة، أن نعيد بكل اهتمام قراءة المأساة التي سجلها التاريخ هذه الأيام، ونطلب من كل كلمة ومن كل سطر أن يعطيانا ما يكتمان من سر.
فنترك إذن الأشياء تحدثنا بنفسها بلغتها وبكل بساطة، دون أن نفرض عليها رقابة أو تزيينا.
ماذا عساها تقول لنا الأشياء؟
إن أغلب الاخبار الواردة في الصحافة الغربية ليست صحيحة، وتبدو بكل وضوح أنها أعدت من أجل أن تزيد في الفوضى واللبس اللذين استوليا على العقول اليوم في العالم العربي، كأنما تريد جهات خفية وضعه أمام قدر محتوم، حتى تتخذ ردود أفعاله اتجاها معينا.
إنما تبقى لدينا حقيقة لا نزاع فيها، هي أن الجهاز الفني الحربي لم يكن له - في الجانب العربي- أي تأثير في المعركة.
وبجانب هذه الحقيقة، حقيقة أخرى لعلها تلطف الأولى: فالعدوان الصهيوني انطلق من دون إعلان حرب، ويخطئ من يوازن ذلك بواقعة (بيرل هربر)، فهذا محض تزييف للتاريخ، إذ لم يبدأ الأسطول الياباني قصفه ضد القاعدة الأمريكية المذكورة في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1941 في اللحظة التي كان فيها سفير اليابان بواشنطن يسلم إعلان الحرب إلى البيت الابيض.
__________
(1) إن هذه المقالة وأخواتها في الأيام التي تبعت النكسة، لفتت النظر على عكس ما كنت أتوقع، فقال لي سفير الجمهورية العربية المتحدة: إنها تحمل لهجة شديدة علينا، قال ذلك بلهجة العتاب غفر الله له.

الصفحة 124