كتاب بين الرشاد والتيه

إن كل ما يكتب قد عرض على الضمير وعلى القلب قبل أن يدخل في مادة الكتاب:
فهذا الاوربي الفاضل يرى، ويرينا في لحظة نقضيها في صفحات كتابه، من خلال المحنة السوداء التي يعيشها ويتشرف بها الشعب الفلسطينى، يرى ويرينا التدهوت الفظيع الذي أصاب حضارة ضيقت بالتدريج حرية الفكر، ووضعته تحت وسائل جديدى لمراقبة العقول، فخفضت بذلك من قيمته الحقيقية الجلية حتى أصبحت تساوي صفرا.
هل هنالك من لعنة أشد من هذه، نستطيع تصورها على تلك النظم والمنظمات التي أنكرت، منذ صلح (فرساي) إلى تأسيس إسرائيل في 1948، أنكرت أمام الرأي العام في الغرب حقيقة جلية كفلسطين والشعب الفلسطيني، وهي حقيقة أقرتها آلاف السنين من التاريخ؟.
فالفكر يلمس القضية هنا- كما نرى- في أرفع مستواها البشري، لمسا يكشف لنا (روسي) معه عن المناقضة التي لا دواء لها، بين حضارة (الفوتوي) الكرسي المنجد و (حضارة الروح)، تلك المناقضة التي تبلغ أشدها حين يصبح (الروح) أمام القوى التكنولوجية الفظيعة التي تدكه، لا يملك للدفاع عن مضمونه غير الجسم الضعيف الذي يحمله.
وفي هذا الصراع المتعادل، نرى (روسي) يثق بالإنسان، فيقول:
((منذ الأزل لدينا الحجة بأن التكنولوجية لا تستطيع قهر مقاومة الذرة الإنسانية.
فمنذا الذي يشك في هذه الحقيقة؟ وهو يرى ما يرى من مناضلي الفيتنام ومجاهدي الجزائر، ومقاومي أنجولا، والمقاتلين في كل مكان من أجل قضية عادلة؟.

الصفحة 140