كتاب بين الرشاد والتيه

إن كل سياسة تتطلب شيئا من المثالية توحي بمسوّغاتها، وشيئا من الواقعية تحدد وجوه تطبيقها والطرق الفنية للإنجاز.
وسهم المثالية لابد أن يكون على مستوى التقشف المطلوب. والقاعدة الايديولوجية لابد أن تكون متينة، بقدر ما تكون التضحيات المطلوبة والطاعات المفروضة على كل واحد، في مستوى الصعوبات التي يحتمها وضع استثنائي.
ولابد أن تكون هذه القاعدة من فولاذ كي لا يرتخي الموقف العربي، ولا يتزعزع عليها بناء الوحدة العربية مهما كانت الأعاصير والمناورات والمحن.
ويجب أن نلاحظ بأن (المثالية) التي نتحدث عنها ليست صنفا من (السوريالية) وتجريدا يسبح فوق الواقع، فوق الشروط الحقيقية، فوق المعطيات الطبيعية لوضع معين.
إنها لا تتنافى مع (الواقعية) بل تقتضيها على مستوى كبير.
وعلى هذا الأساس من الواقعية نقول: إن الأوطان العربية تختلف الآن فيما بينها. وليست الفوارق بينها ناتجة عن تاريخها لأنه واحد، ولكنها فوارق نتجت عن الإطار الإستعماري قبل إستقلالها وبعده.
وهذه الواقعية تلقننا أيضاً، ألا نقدم في الظروف الصعبة، لشعوب هذا واقعها من حيث الإختلاف، مقترحات لا تجد في قلوبها الحساسية نفسها، ولا تدفعها الدفعة نفسها ولا تهزها الهزة نفسها.
فما يدعو إلى الأمل أن نرى الزعماء العرب مهتمين الآن بهذه القضية، يبحثون لها عن حل. كما تدل على ذلك المحاولة التي تقوم بها بغداد هذه الأيام من أجل عرض مشروع (ميثاق عربي) للدراسة، ويبدو أن المبادئ العامة لهذا الميثاق قد تحددت منذ الآن.

الصفحة 163