كتاب بين الرشاد والتيه

والأمر الذي كان يند عن انتباه اقتصاديي القرن التاسع عشر، هو أن النمو الإقتصادي الأوربي كان يتحقق على مساحات عذراء تمثلها المستعمرات حين كان كل مستعمر يستطيع أن يفرض ما يناسب أقتصاده، وقد أخفى هذا الأمر عن عالم الإقتصاد في ذلك العهد، العوامل التي تلعب اليوم دورا رئيسيا في اقتصاد يريد تحقيق استقلاله.
إن كلمة (الوطنية) كانت وحدها كافية للدلالة على الإستقلال. ولكن القرن العشرين كشف عن أن الإستقلال الإقتصادي يرتبط بعاملين: اتساع الرقعة وعدد السكان.
فالكلمتان اللتان تحققان الإستقلال الإقتصادي وقد ظهرتا بعد الحرب العالمية الثانية، ليستا غير ما يتمتع به الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي من الساحات الواسعة وعدد السكان.
والصين تستعد بدورها للدخول في زمرة العمالقة للأسباب نفسها، ومن الطبيعي أن بلدا كبلجيكا، لا يستطيع وحده مجاراة هؤلاء العمالقة، ومن باب أولى لا يستطيع منافستهم.
ففكرة السوق المشتركة الأوربية نشأت أمام هذه الحقيقة، وهي تعني مراجعة شاملة للأفكار الإقتصادية الكلاسيكية التي كانت تسود أوربا.
وإذا أصبحت إنكلترا- التي طالما اعتزت بـ (العزلة الجميلة) - تطمح للدخول في السوق المشتركة، فلأنها اكتشفت هذه الحقيقة التي فرضت عليها مراجعة أفكارها.
فاليوم أصبحت البلدان العربية مطالبة بالمراجعة نفسها، تطالبها بذلك ظروف أقسى من تلك التي أوحت بالسوق المشتركة الأوربية.
وربما عمدت البلدان العربية إلى مراجعة توحي بحلول كالتي عمدت إليها

الصفحة 166