كتاب بين الرشاد والتيه

حتى الأطر التي لم تشغل في نطاق الإستثمار الكلاسيكي فإنها تهاجر أحيانا.
من هنا ندرك السبب الذي يجعل البلدان التي تخطط، مضطرة فيما يبدو لتحديد النسل، وذلك لتحديد عدد الأفواه الطفيلية والسواعد المعطلة، دون أن يصرحوا بهذه الحقيقة لاعتبارات أخرى.
أما المجتمع الذي ينمو على أساس استثمار إجتماعي، إذ تعمل السواعد كلها وتأكل الأفواه كلها، فإنه لا يجد نفسه معرضا لتلك المناقضة الصارخة. فالأعضاء غير المنتجة فيه تنحصر في أقل مقدار (الطفل والمريض والعجوز) أما بقية السواعد فهي تعمل.
وهنا لا تبقى في الوطن ضرورة لتحديد النسل، كما يكون متناسبا مع الإستثمار، كما هو الأمر في البلد الذي يخطط على أساس آخر.
والحاجة إلى تحديد النسل تذوب منذ النظرة الأولى في الإستثمار الإجتماعي، بل لعلنا إذا أعدنا النظر في القضية- وفي ضوء التجربة الصينية- سوف يتبين على العكس أنه ربما يفيدنا أن نزيد في نسبة النسل، في حدود لائقة بقدر يتناسب مع مساحة الرقعة وغنى ترابها من ناحية، ومع مرحلة النمو من ناحية أخرى.
قطعا، فحين يصل الوطن إلى طور الآلية الشاملة ( Automation) فقد يكون من حقه أن يعيد النظر مرة أخرى في قضية النسل.
والواقع أن بلدان العالم الثالث ما زالت بعيدة جدا عن هذا الطور، وعليه فإذا عدنا هنا لاعتبارات قدمناها في مقالنا السابق، فلأننا أردنا أن نلح مرة أخرى على مبدأ التخطيط الذي أشرنا إليه في صورة مسلمة: ((يجب أن تأكل الأفواه جميعها ويجب أن تعمل سائر السواعد)).

الصفحة 180