كتاب بين الرشاد والتيه

الوسائل التي أتاحت للصين أن تواجه راشدة سائر مشكلات الوجود (القوت)، وأن ترسي بنجاح القواعد التي تجعلها دولة قوية. إنها البلد الوحيد في العالم الثالث الذي استطاع أن يستثمر 20% من دخله السنوي العام في تجهيز صناعته، وذلك بفضل قطاعه الزراعي.
والواقع أن مجمل البلدان المتخلفة أصبحت تعيش بشظف. وهي ما تزال تعيش على أي حال من قطاعها الزراعي، بينما نرى إنتاجها الزراعي قد انخفض منذ استقلالها، أي أصبح لا يعنى بضرورات القوت، ومن باب أولى لا يعنى بضرورات التنمية.
إن شروط التسويق، المهيمن عليها المال، لا تسمح أيضاً برفع ميزانية البلدان المتخلفة من أجل التصنيع، ولا تستطيع الواحدة منها أن تكون داخل حدودها سوقا مستقلة، إنما تستطيع على الأقل تحرير قوتها من شروط الخارج.
لا بد إذن من وضع اقتصاد القوت فوق سائر تقلبات السوق في الخارج، وكذلك مناورات البورصات، وعليه لابد أن يوضع مخططه في صورة حلقة مغلقة لا تؤثر عليها العوامل الخارجية، ولتحقيق هذا الهدف لابد من تجنب استهلاك بعض الأنواع من الغذاء المستوردة من الخارج، كالشوكولاه من النوع الفاخر وسمن النورماندي والويسكي الايكوسي.
ولا بد أن يكون هذا التخطيط الغذائي في صورة (أوترشي Autarcie) صغيرة جديرة، على الأقل، بتحقيق قوت الأفواه جميعها.
لابد لكل وطن متخلف أن ينظم أولا قطاعه الزراعي، حتى يقوت سائر الأفواه ويشغل بالتدريج كل ساعد.
إننا ننتظر نيران الأفراح تعلن أن البلدان الإسلامية تسير على هذا الطريق.

الصفحة 188