كتاب بين الرشاد والتيه

والإنسان لا يجوز له أن يخالف في سلوكه هذا التكريم، الذي لا يضمن له حقوقا فقط، بل يفرض عليه واجبات أيضا.
هذه الازدواجية تتمثل أحسن تمثيل، في حديث عن حكيم بن حزام إذ يقول:
((سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال لي:
يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاء نفس بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل.
فقال يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه.
فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي رحمه الله)).
فهذا الحديث يلخص ويوضح لنا كل ما نسميه (أخلاقية الثورة)، إعطاء الإنسان حقه ولكن مع الحفاظ على كرامته.
إن بعث الإنسان ليس ثمنه ضمان حقوقه فقط.
بل إننا نرى في موقف حكيم، بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الثمن الحقيقي حين يرفض حقه من الفيء.
إن الثورة الجزائرية تستطيع أن تستوحي من الثورات العصرية، لبعث الإنسان الجزائري وتغييره بعد ما أصابه في فطرته طيلة عهد الاستعمار، ولكن إذا كان خطاب الرئيس (بومدين) الأخير أثناء رحلته في جبال أوراس، قد

الصفحة 26