كتاب بين الرشاد والتيه

وينبغي أن يكون هذا النهج شاملا، أي أن يتناول الإحصاء والتفسير، أو بعبارة أخرى ينبغي أن يعنى بالكشف عن الحالة الشاذة من ناحية، وأن يدرس مصدرها أو تاريخها من ناحية أخرى.
إننا قصرنا نظرتنا عن قصد وبنية الإيجاز، على نطاق الجزائر. إنما على من يهمه الأمر أن يتصرف في الحالة التي تعنيه فيدرجها في مكانها بين النتائج النظرية التي نصل إليها، أو يصدر النتائج إلى مكانها في أي وطن إسلامي آخر.
فأي وطن يتخلص من الاستعمار ويعلن سيادته، لا تختلف فيه المشكلات عن وطن آخر يمر بالمرحلة نفسها.
على أننا، إذا حاولنا ترتيب المشكلات وفق أولويتها، فمن المعقول أن تمنح الأولوية إلى مشكلات الاستقلال، أي إلى الحالات التي ستزيد من درجة الصعوبة في مهام الدولة.
ونحن هنا لا نقدم إحصائية لهذه الصعوبات حتى لا نتورط في الاعتبارات السياسية أو المذهبية. ولكننا نشير إلى إحدى هذه الصعوبات لأنها تتمثل في عقدة قد يكون لها أسوأ تأثير على مستقبل الوطن بوصفه دولة، إن لم تُصَفّ في قريب عاجل.
فهذه العقدة تعرض منذ الآن ديمقراطية المؤسسة من وجهة نظر المحكوم، عندها يرى أجهزتها المختلفة لا تنسجم في أداء وظيفة الدولة، بل تسير وكأنها أجهزة دول مختلفة.
فالمواطن المحكوم يشاهد أثر هذه العقدة حتى في العمليات البسيطة التي تقوم بها أجهزة إدارة واحدة، فما بالك إذا تعقدت العملية وتدخلت في إنجازها إدارات مختلفة، تقول الواحدة نعم بينما تقول الأخرى لا؟.

الصفحة 44