كتاب بين الرشاد والتيه

فمن الناحية المعنوية ينبغي أن نتصور وضع المحكوم في مثل هذه الحالة.
أما من الناحية الفنية فإننا نتصور الدولة في حالة كهذه، محركا تدفع بعض أجهزتها إلى الأمام بينما تدفع الأخرى إلى الخلف.
فمن الناحية الميكانيكية، ندرك بسهولة تلف الطاقة، التي يتعرض لها محرك كهذا، بل نتصور أن المحرك نفسه يتعرض للتلف، ونعلم بالتالي كيف يمكن لصاحب المحرك أن يتفادى خطرا كهذا بكل عناية واهتمام.
فبين الحالات الاجتماعية المرضية، ليست الحالة التي أشرنا إليها أخطرها، إنما أشرنا إليها لأنها قابلة للتشبيه بوضع المحرك تشبيها يقربها للفهم.
فعاهة عدم الانسجام والتنسيق، التي نشير إليها هنا، تظهر بكل بساطة، عندما يكون ملف تجهزه إدارة ينتظر وثيقة تبطئ بها جهة في الإدارة نفسها.
كما تظهر العاهة بصورة أخرى، عندما تنتظر إدارة من أخرى، الإسهام في إنجاز عملية أكثر تعقدا، فتتعطل العملية بسبب تخلف الإدارة الثانية وتقاعسها في الإسهام.
ففي الصورتين كلتيهما ينبغي دراسة الحالة للكشف عن أسبابها المرضية، وأبعادها المختلفة ويكفينا هنا على سبيل التوضيح أن نتناول بعدها النفسي.
ونحن نسوغ موقفنا من هذه الزاوية، فنقول إن العلاقات القائمة بين الأجهزة المكلفة بإنجاز العمليات الإدارية المشتركة، ليست مجرد علاقات ميكانيكية كما تكون بين أجهزة محرك، بل هي علاقات بين أفراد، أي في جوهرها نفسية.
فإذا كانت بلدية ما، تتخلف عن إرسال ورقة ما، تنتظرها إدارة تعليم مثلا، فتبقى العملية المشتركة معطلة على حساب مواطن، فهذا لا يعني بالطبع

الصفحة 45