كتاب بين الرشاد والتيه

وبالفعل فالثورة التي لا تحركها هزة تكاد تكون شطحة صوفية فليست بثورة.
والتغييرات الثورية تصبح حلما من الأحلام إذا لم تقم على هذا الشرط، فتحويل سلطة سياسية من أيد إلى أخرى، وإعادة تنظيم الإدارة وأجهزة العدالة، وتغيير العملة، وتعديل النظام الاقتصادي، هذه كلها أمور تدخل بطبيعة الحال في نطاق الظاهرة الثورية.
وقد تتغير خريطة توزيع الملكية في الوطن، وقد يسند إلى أبناء الوطن وظائف كان المستعمرون يشغلونها، وقد تستبدل بالحروف اللاتينية حروف عربية على واجهات ولافتات الحوانيت، إلا أن التغييرات هذه جميعها تصبح مجرد سحر للأبصار ولا يستقر أمرها إذا لم يتغير الإنسان نفسه.
وقد يرتفع متوسط الدخل الفردي أيضا، دون أن يكون ذلك القياس الصحيح الذي به تقاس الثورة.
إذ لو كان الأمر يقتضي مجرد زيادة في الأجور وفي وجبات الطعام، لكان على حد تعبير (جيفارا) مع تصرف قليل في كلماته ... لكان استعمار جديد له نصيب من الذكاء أقرب إلى النجاح بالمعنى الثوري المنحرف.
ولقد كان الشعب الجزائري الثائر، على إدراك تام لقضيته، عندما قال: ((لا))، في استفتائه على مشروع قسنطينة، الذي كان يمنيه ويعده الاستجابة لكل ما قد يكون له من رغبات مادية.
فثورة ما لا تستطيع بناء وضع جديد والحفاظ على مكتسباتها إلا إذا كان أثره في تصفية الاستعمار، فعالا في تصفية الإنسان من القابلية للاستعمار، فتصفية الاستعمار في الإنسان تشرط تصفيته في الأرض ويجب أن تتقدمها.

الصفحة 51