كتاب بين الرشاد والتيه

وإذا كانت لحظات (إينشتين) الأخيرة- وهو كما يقال عنه قمة الفكر الإنساني في القرن العشرين- إذا كانت تلك اللحظات، قد تركزت في محاولة مستميتة للإلمام بالكون في معادلة واحدة، فإن هذه المحاولة إذا فقدت جدواها في المجال العلمي الصرف، فإنها عبرت عن انطلاقة الروح نحو الوحدانية تشعر بها في وحدتها. وبالتالي، وبنتيجة لعلها غير مقصودة، كانت المحاولة من أجل رتق الخرق الذي أحدثته العلمانية بين العلم والضمير.
على أية حال، فإننا نستطيع بعد تجربة قرن كامل، أن ندرك أن العلم لا يستطيع وحده بوسائله الخاصة إصلاح ما أفسده هو.
ولعلنا نستطيع على الأقل، تقويم هذا الفساد وتقدير ثقله في التاريخ من خلال حربين عالميتين.
فحينما حدث في أوربا مع أفكار ديكارت، التمزق الأول في الثقافة، بدأ الانحراف الأخلاقي يؤدي إلى حتمية الصراع الطبقي، وإذا كان من واجب المرء - خصوصا في بلدان العالم الثالث- أن يكون إلى جانب المستغلين المستضعفين، فإن ذلك لا يمنعه بكل حال أن يرى خطورة المحتوى الأخلاقي لصراع يؤدي إلى انفصام وحدة الأمة والمجتمع، وفقا لما تمليه مصلحة المتنعم (البرجوازي) من ناحية، ومن ناحية أخرى مصلحة المحروم (البروليتاري).
فهذا الصراع لم يوقظ، في نهاية الحساب، الضمير عند الفريقين أو عند أحدهما. وإنما أيقظ فيهما كليهما (الضمير الطبقي) وهو يضفي على صراعهما طابع فقدان الأخلاق أو مناقضة الأخلاق، فالأول يريد مزيدا من الذهب في خزينته، والثاني يريد مزيدا من اللحم في بطنه. وكلاهما بمقتضى تعاليم ايديولوجيته يتطلع إلى الاستيلاء على السلطة.
ففي صراع بين مصالح مادية صرفة، (والصراع الطبقي ليس سوى ذلك)

الصفحة 76