كتاب بين الرشاد والتيه

لا يبدو المستضغف نفسه إلا في مظهر الحاقد الضعيف، ينتظر دوره لينتقم من خصمه بمثل ما انتقم منه.
هذا في نطاق الأمة.
أما إذا نظرنا إلى نتيجة الانحراف الأخلاقي في أقصى مداه، فسوف نجد البرجوازي والبروليتاري الأوربي، حليفين تجاه الإنسان المستعمر، وهكذا تتمزق وحدة الإنسانية.
لكن خمائر التجزئة والتفرقة لا تؤدي مفعولها على الصعيد الاجتماعي والمعنوي فحسب، بل إن الطلاق بين العلم والضمير يؤدي إلى نتائج أخرى على الصعيد الفكري بالنسبة للفرد الواحد.
وإذا كان من نتائج هذا الطلاق الفلسفي، ظهور موضوعية (أوغست كونت) ومادية (ماركس)، فإن رمزه الحي، ذلك المثقف الذي يلقب نفسه أو يلقب بـ (الفكر الموضوعي).
ومن أغرب الموافقات أن سائر المظاهرات المطالبة بالحقوق في العالم ذات وجه واحد ولغة واحدة.
خطبهما متشابهة، تتناول دائما موضوع (الشروط الموضوعية)، وبهذه العبارة بالضبط يعرف (الفكر الموضوعي) كأنما لغته في أي وطن مصدرها واحد، إنها اللغة التي تسم القرن العشرين، بصفتها مقياسا يصلح في كل مكان، وإذا لم تستعمل هذه اللغة فيما تقول أو تكتب، فأنت غير (تقدمي)، بل أنت (رجعي) طبقا لمقاييس هذه اللغة. حتى إنك ستضطر لترد التهمة إلى طرح السؤال ما هو محتوى (فكر موضوعي)؟.
لنقل أولا في أي صورة تراه عينانا: إن لنا في الجزائر عينات تمثل هذا الصنف، نراها في ركن من ذاكرتنا أو شاخصة أمام أعيننا بلحمها ودمها.

الصفحة 77