كتاب بين الرشاد والتيه

والجنائريون الذين عاشوا السنوات الثلاث الأخيرة، وشاهدوا بأعينهم مظاهراتنا، وتذوقوا ذلك الشر الذي كان يرد- من مسارب لا تراها العين لأنها تحت الأرض- إلى قاعات تحرير صحافتنا، وإلى بعض منظمات (التوجيه) هؤلاء الجزائريون يعرفون معنى هذا.
إن ميزانية السنوات الثلاث تحت أعيننا.
ففي المجال الإقتصادي أولا كما بين ذلك الرئيس بومدين في خطابه الأخير في المعرض السنوي بالجزائر.
وفي المناخ الإيديولوجي الذي سجل هبوطا في الحرارة يصعب تداركه.
وفي مجالنا الأخلاقي وقد جعل الآباء يطلقون الزفرات تحسرا على أولادهم وخشية. بكلمة واحدة: إن ميزانية (الفكر الموضوعي) في حياتنا الوطنية، منذ ثلاثة سنوات ذات ثقل لا يحتمل.
فهل هذا يكفي لتقويم محتواه؟ كلا فالعدم لايقوم. ولكنا نستطيع تصوير (الفكر الموضوعي) بمثل نقتبسه من التاريخ الإسلامي.
إننا نقتبسه من تلك الأيام الحالكة حين قام النزاع بين علي كرم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه.
فمعاوية قد شعر بأن السيف لا يحقق نصره، فلجأ إلى الحيلة، إذ أمر قومه بأن يحملوا المصاحف على رؤوس رماحهم وينادوا: هذا حكم بيننا.
ومن المؤسف أن (الفكر الموضوعي) كان منبثا في الفريقين ليخدع في صف معاوية ولينخدع في صف علي حيث يقول: أجل إن الكتاب حكم بيننا.
لقد كان هذا الصف موضوعيا (بطريقته) لأن القران يمثل فعلا في نظر المسلم، المرجع الذي يرجع إليه في كل نزاع، خصوصا في نزاع سياسي.

الصفحة 79