كتاب بين الرشاد والتيه

حبذا لو كان الجمل أستاذنا خصوصا منذ الإستقلال. لأننا كنا في حاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا.
فلنقدر المنهجية أولا، في مستوى الحديث المجرد، لأن كل عمل إجتماعي يقتضي تبادل أفكار بين عدد من الأشخاص.
إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار، وهو بذلك الرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك.
فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآداب فقط، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل. ونحن نجد هذه الصلة، بصورة رمزية، في العهد القديم عندما يقص علينا كيف أصبح عمل القوم مستحيلا في تشييد برج بابل، عندما اختلفت ألسنتهم، ففي هذه القصة نرى كيف تعطل العمل حالما تعطل تبليغ الافكار بالكلام.
فالقضية إذن لا تخص قواعد الحديث وحسن السلوك في الصالونات فحسب، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية الفعالية.
فحيثما يبتعد الحديث عن التسلية المحضة، يجب أن يخضع لقواعد العمل، الذي ليس في بداية مرحلة تحضيره، سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات وبعض الافكار.
وفي هذا المستوى، يتداخل الجانب الأخلاقي والجانب المنطقي ليكونا معا العمل الفعال أو العمل التافه.
ولو رفعنا القضية إلى مستوى الأمة لوجدنا أنفسنا نتساءل: هل كان لوطننا أن يسلك الطريق الذي سلكه إلى 19 حزيران (يونيو) 1965، لو أصغى إلى صوت الجمل أو تذكر قصة جحا؟

الصفحة 95