كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

وُجُوبَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَيَمْنَعُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا وَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى أَلْفِهِ زَكَّاهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهَا التَّصَدُّقَ اهـ.
وَشَرَطَ فَرَاغَهُ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَشْغُولَ بِهَا كَالْمَعْدُومِ وَفَسَّرَهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ بِمَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ عَنْ الْإِنْسَانِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالثَّانِي كَالدَّيْنِ وَالْأَوَّلُ كَالنَّفَقَةِ وَدُورِ السُّكْنَى وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَالثِّيَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ وَكَآلَاتِ الْحِرْفَةِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا فَإِذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةٌ لِيَصْرِفَهَا إلَى تِلْكَ الْحَوَائِجِ صَارَتْ كَالْمَعْدُومَةِ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَحَقَّ لِصَرْفِهِ إلَى الْعَطَشِ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَجَازَ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَأَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ صَرْفِهَا إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ.
وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ، وَمِنْ آلَات الْحِرْفَةِ الصَّابُونُ وَالْحُرْضُ لِلْغَسَّالِ لَا لِلْبَقَّالِ بِخِلَافِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ لِلصَّبَّاغِ وَالدُّهْنِ وَالْعَفْصِ لِلدَّبَّاغِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَقَوَارِيرُ الْعَطَّارِينَ وَلُجُمُ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ وَمَقَاوِدُهَا وَجِلَالُهَا إنْ كَانَ مِنْ غَرَضِ الْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَهْلِ فِي الْكُتُبِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ ذِكْرُ الْأَهْلِ فِي حَقِّ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ اهـ.
فَغَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُتُبَ لِغَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ نَامِيًا وَالنَّمَاءُ فِي اللُّغَةِ بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ، وَالْقَصْرُ بِالْهَمْزِ خَطَأٌ يُقَالُ نَمَا الْمَالُ يَنْمِي نَمَاءً وَيَنْمُو نُمُوًّا وَأَنْمَاهُ اللَّهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
وَفِي الشَّرْعِ هُوَ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ الزِّيَادَةُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ، وَالتَّقْدِيرِيُّ تَمَكُّنُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ نَائِبِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا فِي مَالِهِ كَمَالِ الضِّمَارِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى فَإِذَا رُجِيَ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ، وَأَصْلُهُ الْإِضْمَارُ، وَهُوَ التَّغْيِيبُ وَالْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا، وَفِي الشَّرْعِ كُلُّ مَالٍ غَيْرِ مَقْدُورِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ قِيَامِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَمَةٌ، وَدِيَةَ اللِّحْيَةِ الَّتِي تَنْبُتُ بَعْدَ حَلْقِهَا، وَالْمَالَ الْمُتَصَادَقَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَالْهِبَةَ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ هَذَا دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ زَكَاةِ الْغَنَمِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الظَّلَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ لِوَالِي خُرَاسَانَ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ اهـ.
فَكَوْنُهُ فَقِيرًا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ يُنَافِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَصْرِفِ تَحْقِيقُ مَسْأَلَةِ مَنْ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي بِبَلَدِهِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ الَّتِي مِنْهَا الْفَرَاغُ عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَمُقْتَضَى الْقَيْدِ وُجُوبُهَا عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِفَقْدِ شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَالْأَهْلُ وَغَيْرُ الْأَهْلِ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ سَوَاءٌ. اهـ.
قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ: إنَّهُ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِغَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَتْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَحَوَائِجُهُ الْأَصْلِيَّةُ لَا يَشْمَلُ الْكُتُبَ إلَّا لِمَنْ هُوَ أَهْلُهَا فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَأَمَّا لِمَنْ هُوَ غَيْرُ أَهْلِهَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ هُنَا ثُمَّ يُسْتَفَادُ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ: نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا التِّجَارَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا، وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا، وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ لِمَا قُلْنَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ الْمَارُّ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ عَلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا بِمَا ذَكَرَهُ الِاعْتِرَاضُ وَارِدٌ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ إلَخْ فَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِهَا غَيْرُ مُفِيدٍ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ فِي الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ ثُمَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ اهـ وَهَذَا مَا أَجَابَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَمُشْعِرٌ بِمَا قُلْنَا

الصفحة 222