كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ اهـ فَيَدْخُلُ الْحَيَوَانُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُسِيمَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ مِنْهُ، وَمِنْهُ أَوْصَى بِعُرْضِ مَالِهِ أَيْ جَانِبٍ مِنْهُ بِلَا تَعْيِينٍ، وَالْعِرْضُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَا يُحْمَدُ الرَّجُلُ وَيُذَمُّ عِنْدَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِهَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْغَلَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُبَايَعَةِ
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ نَاوِيًا بَيْعَهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ فِي الْعَرْضِ مَانِعٌ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ نَاوِيًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الثِّنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَجَوَابُ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُرُوضِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ إيَّاهَا بِمَا لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ، وَلَا وَزْنٌ، وَلَا يَكُونُ عَقَارًا، وَلَا حَيَوَانًا مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ تَفْسِيرُهَا هُنَا بِمَا لَيْسَ بِنَقْدٍ وَلِذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَذْرَهُ فِي الْأَرْضِ أَبْطَلَ كَوْنَهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ نَوَى الْخِدْمَةَ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ أَسْقَطَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ ثَابِتَةً فِي بَدَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَخْصُهَا فِيهِ، وَهُوَ مَا قُوبِضَ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً، وَدُفِعَ بِهِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَأُجْرَةُ دَارِ التِّجَارَةِ وَعَبْدِ التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَلَوْ ابْتَاعَ مُضَارِبٌ عَبْدًا وَثَوْبًا لَهُ وَطَعَامًا وَحَمُولَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكِّي الثَّوْبَ وَالْحَمُولَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُحْمَلُ عَدَمُ تَزْكِيَةِ الثَّوْبِ لِرَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ لَمْ يَقْصِدْ بَيْعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ النَّخَّاسُ إذَا بَاعَ دَوَابَّ لِلْبَيْعِ وَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ فَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ مَعَ الدَّابَّةِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُهَا مَعَهَا وَجَبَ فِيهَا وَكَذَا الْعَطَّارُ إذَا اشْتَرَى قَوَارِيرَ اهـ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ثَوْبَ الْعَبْدِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ تَبَعًا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا أَصْلًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ بِخِلَافِ جُلِّ الدَّوَابِّ وَالْقَوَارِيرِ فَإِنَّهُ مَبِيعٌ قَصْدًا وَلِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَبِيعِ بِلَا ذِكْرٍ، وَإِنَّمَا قَالَ نِصَابُ وَرِقٍ، وَلَمْ يَقُلْ نِصَابُ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوَرِقَ بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَبْلُغَ الْعُرُوض قِيمَةَ نِصَابٍ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ، وَالْعُرْفُ أَنْ تُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالْفِضَّةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ تَقْوِيمُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُتِمُّ النِّصَابَ وَبِالْآخِرِ لَا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا مَا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ إنْ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قُوِّمَ بِالدَّنَانِيرِ تَجِبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَوَّمُ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَسَدًّا لَخَلَّتِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقَوَّمُ بِمَا اشْتَرَى فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ تَخْيِيرُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَيُقَوَّمُ الْعَرْضُ بِالْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة]
(قَوْلُهُ: وَجَوَابُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ مِنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا صَحَّتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيهَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الْمُؤَدِّي إلَى الثِّنَى (قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَسْقُطَ التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى أَوْلَى) أَيْ إذَا كَانَ مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْخِدْمَةِ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ مُسْقِطًا وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يُسْقِطَ الْوُجُوبَ أَيْضًا التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ، وَهُوَ الزِّرَاعَةُ أَوْلَى، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ لِمُنْلَا خُسْرو أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ) أَيْ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَرِدُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا الْحَمْلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْمَالِكَ كَمَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلتِّجَارَةِ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلنَّفَقَةِ وَالْبِذْلَةِ يَعْنِي فَلَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِذَا قَصَدَ حِينَ شِرَائِهِ بَيْعَهُ مَعَهُ فَقَدْ نَوَى التِّجَارَةَ بِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ لِمَا قَدْ عَلِمْت، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ قَصْدِهِ مَقْصُودَ التَّبَعِيَّةِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ يَصِحُّ قَصْدُهُ بِهِمَا، وَإِنْ دَخَلَ تَبَعًا عَلَى أَنَّ دُخُولَ الثَّوْبِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ ثَمَّ مَعَ الدُّخُولِ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَعْطَى غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ كِسْوَةُ مِثْلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ

الصفحة 246