كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِدُونِ التَّحَرِّي لِلُزُومِ الضَّرُورَةِ، وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ فَوَجَبَ قَبُولُهُ مُطْلَقًا
وَحَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَالشَّرْطُ أَدْنَاهَا، وَهُوَ تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ وَالْعَدَاوَةِ فَمُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْيُ رِوَايَةِ الْمَحْدُودِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِقَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ بَعْد مَا تَابَ، وَكَانَ قَدْ حُدَّ فِي قَذْفٍ، وَأَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَسْتُورُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَبُولُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ الْمَسْتُورِ الَّذِي هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قَبُولَ الْمَسْتُورِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا عَلِمْت أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي تَاسِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ
وَإِنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ، وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ اهـ.
وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَعَدَمِ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى عَلَى خِلَافٍ فِيهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ لَا قَاضِيَ فِيهَا، وَلَا وَالِيَ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِ الثِّقَةِ وَيُفْطِرُونَ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافًا فَلِلْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يُقْبَلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ إذَا فَسَّرَ، وَقَالَ: رَأَيْته خَارِجَ الْبَلَدِ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي الْبَلْدَةِ مِنْ بَيْنِ خَلَلِ السَّحَابِ
أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَغُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ فَتَثْبُتُ الرَّمَضَانِيَّةُ بِشَهَادَتِهِ لَا الْفِطْرُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ، وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَمَّا إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَكَى الْبَزَّازِيُّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا هُنَا، وَفِي الْأُصُولِ الْخَارِجُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحُكْمِ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُخَدَّرَةَ إذَا رَأَتْ هِلَالَ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي لَيْلَتِهَا وَتَشْهَدَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثِينَ وَصَامَ هَذَا الرَّجُلُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ اهـ. تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ) فَإِنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَ شَهَادَتَهُ بِلَا عُذْرٍ يَفْسُقُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ وَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ، وَلَمْ يَرَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ أَفْطَرُوا، وَعَنْ السَّعْدِيِّ: لَا وَهَكَذَا عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قِيلَ: إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَفْطَرُوا لَمْ يَبْعُدْ، وَفِي السِّرَاجِ صَامُوا بِشَاهِدَيْنِ وَأَفْطَرُوا عِنْدَ كَمَالِ الْعِدَّةِ إجْمَاعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً عِنْدَ الْفِطْرِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُصْحِيَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْطِرُوا كَمَا لَوْ شَهِدُوا السَّاعَةَ اهـ.
لَكِنْ فِي الْإِمْدَادِ صَحَّحَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ حِلَّ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي مَتْنِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَذَكَرَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ السَّعْدِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَذَكَرَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُصْحِيَةً، وَإِلَّا أَفْطَرُوا بِلَا خِلَافٍ اهـ.
فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِشَهَادَةِ فَرْدٍ، وَلَمْ يَرَ هِلَالَ الْفِطْرِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ فِي الصَّحْوِ الْمَرْوِيَّ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ

الصفحة 287