كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِد الْعَدْلِ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ فَشَرْطُهُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ بَاقِي شُرُوطِهَا، وَمِنْهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْزَمُ بِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ الْإِسْلَامُ، وَإِلَّا مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْبَكَارَةِ وَالْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعَوْرَةِ فَلَا عَدَدَ، وَلَا ذُكُورَةَ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ كَالْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا وَالشَّرِكَاتِ فَلَا شَرْطَ سِوَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَفَسْخِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَالرَّسُولُ وَالْوَكِيلُ فِيهَا كَمَا قَبْلَهُ عِنْدَهُمَا وَشَرَطَ الْإِمَامُ عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنَّ النَّاسَ صَامُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَجَاءَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَهَذَا الْأَرْبِعَاءُ يُوَفِّي الثَّلَاثِينَ اتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ أَنَّ بِالسَّمَاءِ عِلَّةً عَيَّدُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِلَّا لَا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ إنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ قَضَوْا يَوْمًا، وَإِنْ صَامُوا تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا، فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَيْضًا قَضَوْا يَوْمَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الشُّهُودُ جَمْعًا كَثِيرًا يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ لَا الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ قِيَاسًا عَلَى تَفَرُّدِنَا قَلَّ زِيَادَةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَةِ السَّمْعِ وَاقِعٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِيِ كَثْرَةً، وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجَالِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ تَشْنِيعُ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَذْهَبِنَا حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الِاثْنَيْنِ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حَيْثُ لَا سَمِعَ أَحَدٌ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ،
وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِالتَّفَرُّدِ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا إنْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَمَّا إنْ عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ أَيْضًا ثُمَّ صَامُوا رَمَضَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَمَضَانَ انْتَقَصَ يَوْمًا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي شَعْبَانَ بِيَوْمَيْنِ لَمَّا عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ وَعَدُّوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ شَرَعُوا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمَّا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا يَوْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ بِيَقِينٍ، وَإِنْ عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ غَلِطُوا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ اهـ.
قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ إذَا عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَامُوا يَوْمَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ رَمَضَانَ وَقَعَ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رُئِيَ هِلَالُ رَجَبٍ وَعُدَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ عُدَّ شَعْبَانُ ثَلَاثِينَ أَيْضًا لِعَدَمِ رُؤْيَةِ هِلَالَيْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ ثُمَّ رُئِيَ هِلَالُ شَوَّالٍ بَعْدَ صَوْمِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَوْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ أَيْضًا كَيْفَ يَصْنَعُونَ لَمْ أَرَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّقْصَ لَا يَقَعُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ
وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا فِي شَرْحِ الْغَايَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَثْبُتُ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ قَالَ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ إنْ غُمَّ، وَلَوْ شُهُورًا لَا بِحِسَابِ نَجْمٍ وَسَيْرِ قَمَرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُفِيدُ قَوْلُهُ: بِكَمَالِ شَعْبَانَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِلَّا جُعِلَ شَعْبَانُ نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى خَمْسَةُ أَشْهُرٍ عَلَى الْكَمَالِ كَمَا لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةٌ عَلَى النَّقْصِ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ قَالَ وَنَظَمَ (عج) كَلَامَهُمْ فَقَالَ
لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ... ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنْ
كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَهْ ... هَذَا الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ أَبْطَلَهْ
اهـ.
قَالَ أَيْ الصَّوَابُ عِنْدَ الْمِيقَاتَيْنِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَا سِوَاهُ (قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ عِلْمٍ زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ: كَثْرَةً) تَمْيِيزٌ أَيْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْمُشَارَكَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْكَثْرَةِ بَلْ الْمُشَارَكَةُ فِي التَّرَائِيِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي السَّمَاعِ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا سَمْعَ) أَيْ حَيْثُ لَا دَلِيلَ سَمْعِيًّا

الصفحة 288